كيف نظر وينظر الأكراد إلى الربيع العربي؟ وكيف تفاعلوا معه؟ وهل هناك رؤية مشتركة للأكراد تجاه الربيع العربي؟ وهل هناك خلط لديهم بين قضية الحرية وقضية الحقوق القومية ومصيرهم القومي؟
دون شك، هذه الأسئلة وغيرها تطرح بقوة في الساحة أو الساحات الكردية منذ بدء موجة الانتفاضات والثورات والاحتجاجات التي شهدتها تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية... واحتمال تكرارها في دول أخرى بما في ذلك دول إقليمية كبرى مثل إيران وتركيا.
في الواقع، ثمة قناعة عامة لدى الأكراد بأن ما يجري في المنطقة سيغير من خريطتها الجيوسياسية والاقتصادية على شكل إقامة نظام جديد، متشابك في المصالح والايديولوجيات، ومع هذا التصور يرى الأكراد أنهم أمام فرصة تاريخية وفاصلة لنيل حقوقهم القومية، وربما إقامة دولة مستقلة بعد ان حرمتهم الاتفاقيات والمصالح الدولية منها عقب الحرب العالمية الأولى،وذلك خلافا للدول العربية التي ولدت من رحم اتفاقية سايكس- بيكو، وعليه يمكن فهم رفع الأكراد من سقف مطالبهم القومية على وقع الربيع العربي،أكراد العراق في وضع شعار حق تقرير المصير إي إقامة دولة مستقلة على الطاولة،أكراد سورية في بلورة برنامج سياسي يشير للمرة الأولى إلى الفيدرالية،وأكراد تركيا في العودة إلى طرح شكل موسع للحكم الذاتي يقترب من الكونفدرالية، فيما يبقى وضع أكراد إيران غير واضح لأسباب كثيرة، من بينها قلة المعلومات المتوفرة عن الحراك الكردي هناك نتيجة سيطرة الدولة المركزية على وسائل الاعلام وأخرى لها علاقة بضعف الحركة الكردية مقارنة بأكراد العراق وتركيا،علما أن أكراد إيران هم أول من أعلنوا عن إقامة دولة كردية في العصر الحديث، وأقصد هنا جمهورية مهاباد التي اقيمت بدعم من الاتحاد السوفييتي عام 1946 ولم تصمد سوى أقل من سنة، قبل ان يدخل الجيش الإيراني إلى عاصمة الدولة ويعدم رئيس جمهوريتها القاضي محمد مع كبار قادته.
مع الإشارة إلى ان الاكراد داخل الساحة الواحدة قد لا يكونوا متفقين على برنامج سياسي محدد وقد ينقسمون إلى درجة التناقض في المواقف وبالتالي التحالفات، الا انه يمكن القول ان الربيع العربي فجر الحلم الكردي بنيل الحقوق القومية وصولا إلى دولة مستقلة،على شكل اتخاذ الوعي القومي بالهوية وتحقيقها منحى حاسما في العمل السياسي الذي تعرض في السنوات الأخيرة لنكسات كثيرة لا يتسع المجال هنا لشرح أسبابها، وفي الوقت نفسه على شكل الاستفادة من انهيار انظمة وتفكك منظومات إقليمية لصالح الهويات المحلية المقموعة والمقصية بفعل هذه الانظمة والمنظومات، كل ذلك مع بروز دور كبير للتاريخ والجغرافية والمجتمع في حركة الشعوب و وعيها لأهمية قضية الحرية وفي إقامة دولة مدنية ديمقراطية بعيدا عن الشعارات الايديولوجية البراقة التي هيمنت على الساحة العربية طول العقود الماضية. في الواقع، مثلما فجر الربيع العربي الحلم الكردي، فانه جعل من الاكراد ورقة أساسية في الصراعات الجارية، فإذا كان لا يخفى على المراقب حجم التنافس الإيراني ndash; التركي على ساحة أكراد العراق في إطار تنافس الطرفين للاستحواذ على المشهد العراقي والمشرق العربي بشكل عام، فان أكراد سورية باتوا في موقع التنافس بين النظام والمعارضة كل طرف لحساباته السياسية المتعلقة بالسلطة، ومع الإقرار بأن الأكراد مستفيدين من هذا التنافس على قاعدة التعامل مع من يعترف بحقوقهم أكثر ويحقق لهم أكبر المكاسب، فان هذه المعادلة اشعلت في الوقت نفسه المنافسة بين الأكراد أنفسهم على شكل من يلعب الدور المركزي في القضية القومية الكردية على مستوى المنطقة،وإذا كان الثابت ان مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان يتطلع إلى جعل أربيل المفتاح المركزي لحل القضية أو القضايا الكردية في المنطقة كما برز خلال زيارته الأخيرة إلى تركيا ومن قبل استضافته مؤتمر لأكراد سورية، الا أن حزب العمال الكردستاني الذي له الكثير من عناصر القوة والتجذر والعلاقات يرى في نفسه الأقدر على حسم الأمور بهذا الخصوص أو على الأقل القيام بدور لا يقل عن دور أربيل. في نضال الأكراد لنيل حقوقهم، ثمة خلط ظهر في الخطاب السياسي الكردي، بين التطلع إلى الحرية والديمقراطية والتخلص من أنظمة استبدادية وبين المطالبة بالحقوق القومية،وكأن مجمل الحراك الجاري هو قومي لا أكثر، وهو ما أدى إلى بروز مخاوف أكثر من طرف إزاء المطالب القومية الكردية سواء من الأنظمة أو المعارضات، وهذه نقطة خلاف كبيرة بين الأكراد وغيرهم من القوميات الأساسية في المنطقة كالعرب والترك والفرس، فالأكراد يرون انه لا حرية حقيقية لهم دون الاعتراف بحقوقهم القومية،مثلهم مثل القوميات المذكورة فيما معظم الدول والقوى في المنطقة تنظر إلى القضية أو القضايا الكردية في إطار ديمقراطي يقضي الاعتراف بهم دستوريا وعبر عملية سياسية وتنموية لا أكثر. في الواقع،بغض النظر عن الجدل الجاري فان الربيع العربي فجر الحلم الكردي من أوسع الأبواب وان لم يزهر فان الصيف الكردي قد يبدو على الأبواب!