صعد القادة الأتراك وعلى رأسهم عبدالله غل ورجب طيب اردوغان وأحمد داود أوغلو من تهديداتهم ضد النظام السوري والحديث عن قرب سقوطه في ظل غياب أي تصريحات مماثلة من جانب القادة العسكريين، ومع هذه التصريحات باتت وسائل الإعلام التركية تزخر بالتحليلات التي تقول ان العلاقات مع سورية دخلت مرحلة جديدة كليا، كما لم تعد تتحدث عن الإصلاح والتغيير السلمي في سورية بل تتحدث عن تغيير النظام وتجتهد في طرح سيناريوهات عسكرية تتراوح بين إقامة منطقة أمنية عازلة وبين التدخل العسكري المباشر، فما هي هذه السيناريوهات؟

1 - سيناريو إقامة منطقة أمنية عازلة: والرؤية التركية لهذا السيناريو تقوم على حدوث موجة نزوح كبيرة من داخل سورية إلى تركيا، وكثيرا ما تستشهد الصحف التركية هنا بما جرى للعراق عام 1991 عندما لجأ قرابة نحو نصف مليون عراقي إلى الأراضي التركية مع فرق ان الصحف التركية تتحدث في الحالة السورية عن إقامة هذه المنطقة داخل الأراضي السورية. في الواقع من يدقق في هذا السيناريو سيرى انه يفتقر إلى الكثير من عناصر المصداقية، لأن مثل هذا العدد الضخم من اعداد اللاجئين غير وارد في الحالة السورية، إذ ان الجيش السوري انتشر بكثافة في المنطقة الحدودية مع تركيا وليس هناك قصف جوي أو مواجهة مفتوحة مع طرف محدد، فالاشتباكات الجارية هناك محدودة وهي مع الجماعات المسلحة على شكل مطاردة وحملات تمشيط فيما من جانب المسلحين هي عبارة عن كمائن هنا وهناك، وعليه فان المقارنة مع السيناريوهات التي تسوقها العديد من وسائل الاعلام التركية تدخل في إطار مقارنات غير دقيقة لجهة الحجج والدوافع وبالتالي الأهداف وإمكانية التحرك العملي. 2 - سيناريو الاشتباك أو الصدام المباشر : ويقوم هذا السيناريو على حصول اشتباك مباشر بين الجيشين التركي والسوري في المنطقة الحدودية، فيقوم الجيش التركي باستدعاء الحلف الأطلسي للتدخل وفقا لمثياق الحلف الذي يقضي بدعم عضو في حال طلبه المساندة. من الواضح ان هذا السيناريو يفتقر إلى المنطق وإلى عوامل حدوثه، فتصور حدوث اشتباك حدودي بين الجيشين السوري والتركي غير وارد الا في حالة واحدة، وهي عندما يقوم الجيش التركي بالتدخل عسكريا في الأراضي السورية وهنا يصبح الأمر أعتداء على السيادة السورية فيصبح من حق الجانب السوري الدفاع عن سيادته، وفي هذه الحالة تتنفي حجة دعوة الأطلسي للتدخل وفي الأصل لا يتحرك الأطلسي الذي هو الذراع العسكري للغرب الا بموجب قرار أمريكي. 3 - سيناريو التدخل الدولي المباشر : من الواضح ان ارتفاع وتيرة التهديدات التركية على وقع تصريحات اردوغان وغل وأوغلو والحديث المتواتر عن إسقاط النظام له علاقة برهان تركي على موقف غربي في لحظة ما من تطور الأزمة السورية، والثابت هنا هو ان تركيا تنسق مع الجامعة العربية وواشنطن وباريس ولندن لدفع الأمور بهذا الاتجاه، وهي هنا تضع نفسها في موقع الدولة الإقليمية الأطلسية المؤثرة سياسيا وجغرافيا في الحدث السوري بعد ان احتضنت المعارضة السورية ولاسيما حركة الاخوان المسلمين بل وحتى الجيش السوري الحر.

في جميع هذه السيناريوهات ثمة شروط تركية باتت معروفة، وهي وحدة المعارضة السورية وجود موافقة عربية على غرار ما حص لليبيا وضمانات أمريكية وأوروبية فضلا عن قرار دولي وهو غير متوفر في ظل الفتيو الروسي والصيني في مجلس الأمن، فيما يعرف الجميع ان الوصول إلى قرار دولي بالحرب له علاقة بقرار أمريكي ومثل هذا القرار معقد يتجاوز الوضع السوري إلى إسقاط منظومة إقليمية تمتد من إيران إلى لبنان مرورا بسورية والمقاومة الفلسطينية وربما البعض من العراق نهاية العام الجاري أي موعد اتمام انسحاب القوات الأمريكية من العراق، والدخول في مثل هذه الحرب يعني حرب إقليمية مفتوحة لن يتجرأ احد على إشعالها في هذا التوقيت. فأمريكا غارقة في أزمتها المالية وبدأت تدخل حملة الانتخابات الرئاسية التي يسخر لها كل شيء، كما ان أوروبا بدأت تدخل في ركود اقتصادي شديد والقوى الدولية الأخرى أي روسيا والصين هي في موقع مختلف.

في الوقع، من الواضح ان السيناريوهات التركية الحربية هي أقرب إلى رغبة سياسية مرتبطة بأجندة حكومة حزب العدالة والتنمية وسياستها الخارجية، تلك السياسة التي تريد استغلال التطورات الجارية في العالم العربي لصالح إقامة بنية سياسية عربية تخدم التوجهات العثمانية الجديدة التي اطلق العنان لها تركيا بعد أحداث ثورتي تونس ومصر وما جرى في ليبيا. وعليه يمكن القول ان هذه السيناريوهات تنصب في إطار زيادة الضغوط على النظام السوري بهدف إسقاطه من الداخل عبر تجريده من عناصر قوته ودفع الداخل وتحديدا الطبقة الوسطى المتركزة أساسا في مدينتي حلب ودمشق إلى الانتفاض ضده.