يجمع المحللون السياسيون الأتراك على أن العلاقات التركية ndash; السورية دخلت مرحلة جديدة بالكامل، وأن مرحلة الحل الدبلوماسي مع النظام السوري انتهت، وان المرحلة المقبلة ستشهد خطوات تركية متصاعدة ضد دمشق إلى حين إسقاط النظام.

ولعل ما يرجح المزيد من التصعيد التركي ضد النظام السوري في المرحلة المقبلة هو القرار الأخير لجامعة الدول العربية بتعليق عضوية سورية، لأن القرار شكل نقلة نوعية في التعاطي العربي مع الوضع السوري بل لأن تركيا تحس بأن موقفها بعد هذا القرار بات متخلفا عن تطور الحدث السوري وان منطق التهديدات والفرص والتصريحات الكثيرة التي أطلقها رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ووزير خارجيته أحمد داود أوغلو لم تعد مجدية وسط إحساس بأن مستقبل الحديقة الجنوبية لتركيا ( سورية ) قد لا يكون كما يبنغي لتركيا إذا لم تتحرك أنقرة بقوة وتصبح هي صانعة الحدث حتى لو كلفها ذلك اشتباك سياسي مع إيران وربما مع الدول العربية نفسها التي باتت تجد نفسها بين دولتين إقليمتين كبيرتين ( تركيا وإيران ) تتنازعان النفوذ والدور والمكانة والسيطرة في المنطقة العربية.

في الأساس، ثمة احساس بفائض القوة الدبلوماسية لدى تركيا، قوة وصفت بالناعمة حاولت تركيا حزب العدالة والتنمية خلال العقد الماضي توسيع دورها في المنطقة العربية سياسة واقتصادا وثقافة وتأثيرا، ومع الثورات العربية انتقلت من البحث عن التعاون والتكامل مع الدول العربية إلى حمل راية التغيير مدفوعة بخطاب ديمقراطي وبعٌد أطلسي من خلال عضويتها في الحلف الأطلسي وعلاقاتها المتينة مع الولايات المتحدة.

منذ بدء الأزمة السورية تصرفت تركيا كأخطر لاعب إقليمي قادر على الحركة وإرسال الرسائل القوية، فبعد فترة من إرسال المبعوثين السياسيين والأمنيين إلى دمشق انتقلت إلى لغة التهديد والوعيد والفرص، قبل ان تنتقل إلى الإمساك بخيوط اللعبة وذلك من خلال مجموعة من الخطوات والعوامل، لعل أهمها:

1- ان تركيا كانت الدولة السباقة إلى احتضان المعارضة السورية ولا سيما حركة الأخوان المسلمين ومن ثم تنظيم سلسلة مؤتمرات للمعارضة السورية في أنقرة وأسطنبول وصولا إلى تشكيل المجلس الوطني السوري المعارض والذي بات يطرح نفسه بديلا للنظام.

2- ان تركيا هي الدولة الوحيدة التي اقامت مخيمات رسمية للاجئين السوريين على أراضيها وقد جعلت من هذه القضية قضية إنسانية وسياسية حيث قام العديد من المسؤوليين الأتراك بزيارة هذه المخيمات وأطلقوا من هناك تصريحات سياسية ضد النظام السوري.

3- ان الحديث عن اتخاذ اجراءات أمنية وعسكرية في أنقرة ضد النظام السوري لم يتوقف حيث تم نشر قوات إضافية في المنطقة الحدودية وسط تلويح دائم بإقامة منطقة أمنية عازلة داخل الأراضي السورية، بل وصل الأمر إلى حد الحديث عن سيناريوهات عسكرية، مفادها دخول الجيش التركي إلى الأراضي السورية ومن ثم يتم استدعاء الحلف الاطلسي للتدخل ( كما ينص ميثاق الحلف ) فور تصدي الجيش السوري له.

4- فرض سلسلة عقوبات اقتصادية وتجارية على سورية كانت أبرزها اعلان أنقرة عن وقف التعاون في مجال النفط مع سورية والتهديد بوقف تمديدها بالطاقة الكهربائية، مع التلويح الدائم بعقوبات أشد.

5- ان التنسيق والتشاور بين القيادة التركية وتحديدا رئيس الورزاء رجب طيب اردوغان والرئيس الأمريكي باراك أوباما بشأن الوضع السوري ظل قويا ومتواصلا طوال المرحلة الماضية،وهو تنسيق اتخذ طابع التشاور الاستراتيجي إزاء التداعيات المحتملة للحدث السوري خاصة في ظل التحالف القائم بين دمشق وإيران وحزب الله واحتمال تفجير المنطقة، وعليه فان الأسلوب التركي أقترب من المنهج الأمريكي في التعامل مع الوضع السوري عبر اعتماد استراتيجية إرهاق النظام على كافة المستويات من أجل دفعه إلى انهيار وليس الصدام معه باعتبار ان الأسلوب الأخير قد يفجر المنطقة ويدفعها للانفتاح على المجهول.

6- ان الدبلوماسية التركية وطوال الأشهر الماضية عملت بقوة على الجبهة العربية من أجل انضاج موقف صاعد ضد النظام السوري كما عملت على إقناع طهران بتغير موقفها إزاء هذا النظام من خلال القول ان البديل لن يكون معارضا للعلاقة مع إيران وسياساتها ومصالحها في المنطقة.

7- ان تركيا هي الدولة غير العربية الوحيدة التي أعترفت حتى الآن بالمجلس الوطني السوري، وهو تعبير عن ان أنقرة قطعت كل أوراقها السياسية مع النظام في دمشق.

8- ان تركيا هي الدولة الوحيدة التي أمنت الملاذ الآمن لما سمي بالجيش السوري الحر بزعامة العقيد رياض الأسعد وسط الحديث عن جهود لتشكيل مجلس عسكري على غرار المجلس الوطني.

الآن ومع وصول الأزمة السورية إلى نقطة خطرة جدا، تحركت تركيا من جديد بقوة تجاه المشهد السوري، والسمة اللافتة في التحرك الجديد هو التصعيد المرفق باجراءات سياسية واقتصادية وأمنية تعبيرا عن وصول العلاقات بين الجانبين إلى نقطة اللاعودة. وسط كل هذا الحديث، تتجه الأنظار إلى الزيارة المؤجلة التي سيقوم بها أردوغان إلى ولاية هاتاي ndash; لواء اسكندرون في الأيام المقبلة، زيارة تعيد إلى الأذهان ما سمى بالإنذار الأخير الذي وجههة الرئيس التركي الأسبق سليمان ديميريل لدمشق بإخراج زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان من سورية قبل أكثر ثلاثة عشر عاما. تركيا في حركتها الخطرة تجاه سورية تريد ان تسابق الجميع في حصد مغانم المرحلة المقبلة ورسم المشهد السياسي المستقبلي حيث تحالفها التاريخي مع حركة الأخوان المسلمين، وربما ان تحس بأن الخطوة الحقيقية لبناء العثمانية الجديدة تمر من بوابة تغيير النظام في دمشق.