العنف المطلق الذي لجأ اليه كل من العقيد معمر القذافي وبشار الاسد وعلي عبدالله صالح تجاه الشعوب الثائرة في ليبيا وسوريا واليمن، يعتبر صفحة سوداوية مسطرة بسطور دموية في تاريخ النظام العربي الذي تم ارسائه بعد الحرب العالمية الثانية والذي بدأ بالانهيار مع أول شرارة للثوار المدنيين في تونس ومصر.
ومع نهضة الثورة المدنية للشعبين التونسي والمصري وسقوط نظام علي بن زين العابدين في تونس ونظام حسني مبارك في القاهرة في فترة زمنية قياسية بدون خسائر بشرية كبيرة واحداث دمار وانهيار للدولة مع الاحتفاظ بمؤسساتها واجهزتها، دخلت ثورات الربيع العربي في مرحلة تاريخية جديدة في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا الحاضنة لأنظمة مستبدة وقمعية، وهذه المرحلة الحيوية المتسمة بالحركة الفاعلة للشعوب لتغيير النظام السياسي للانظمة الطاغية فتحت باب الحرية على مصراعيها امام الشعوب الثائرة واعادة الاعتبار للكرامة المسحوقة بعد انتفضاتها من أجل اعادة الاعتبار الى الوطن والمواطنة التي هتكت بشتى الأشكال من قبل الأنظمة المستبدة الساقطة.
ولكن مقارنة بما حصل في ليبيا وبما يحصل في سوريا واليمن وبين ما حصل في تونس ومصر، نجد ان هروب زين العابدين وترك مبارك للسلطة قد سهلا من نجاح الثورتين التونسية والمصرية بدون حرب ومجابهة عسكرية وأمنية كما هو حاصل في سوريا، وكان لهذا القرار السياسي والموضوعي المتخذ من قبل الرئيسين المخلوعين نتيجة ضغط الثورة الأثر الكبير في النجاح، ويعتبر قرارا حكيما لكل منهما في حقيقة الأمر لأنهما جنبا الثورتين المزيد من سفك الدماء وقتل ابناء الشعب وتدمير البنية التحتية والخدمية للحياة والوحدات البنيوية لمكونات الدولة، وبهذا التصرف الموضوعي والمسؤول للرئيسين السابقين حققت الثورتين في تونس ومصر اهدافهما وغاياتهما السياسية بمدنية وبطريقة سلمية جعلتهما يحتسبان من الثورات الانسانية الكبيرة في التاريخ الحديث مع نيل احترام كبير لهما في أغلب بقاع العالم.
مقابل هذا الموقف المسؤول للرئيس المتنحى حسني مبارك والمتفهم للرئيس الهارب زين العابدين، جاء موقف القذافي المعادي لشعب ليبيا وتورته الثائرة عنيفا وقاسيا وهمجيا، ولم يجلب غير القتل والتدمير والخراب والانهيار التام لنظامه ومؤسساته كدولة، ونهاية مأساوية له ولحياته ولعائلته، وكان من الممكن تجاوز هذه النهاية لو احتكم رئيس الليبي المقتول الى المنطق والحكمة ولبى مطاليب الثوار وتنازل للشعب المطالب بالحرية والكرامة وازالة الطغيان والغاء حكم الاستبداد.
ونفس الموقف يسيطر على رئيس النظام السوري بشار الاسد المستبد امام الشعب الثائر في اجزاء كبيرة من سوريا، وبدلا من أخذ العبرة من النهايات التي وصلت اليها الأنظمة في تونس ومصر وليبيا، يعاند الاسد المتكبر ويضرب الثورة السورية بشتى أنواع الأسلحة العسكرية الخفيفة والمتوسطة والثقيلة بينما الشعب منتفض بوسائل مدنية وبأساليب سلمية ويذهب منه يوميا ضحايا بريئة من الاطفال والنساء والرجال.
وعين الحال نجده في الواقع اليمني من خلال عناد ومراوغة رئيس النظام علي عبدالله صالح الذي فقد كل المصداقية بسبب مراوغاته المتكررة لتأخير عملية خلعه من السلطة والدولة، وبالرغم من الجهود الاممية والاقليمية لدفعه الى ترك الحكم، الا انه يعاند ويكابر بحجج واهية، وبعمله هذا دفع بالشعب اليمني الثائر يوميا الى تقديم ضحايا بريئة ودماءا زكية وبدون اي مبرر مجرد لاطاله عمر حكمه المنتهي مفعوله من قبل الشعب، وهذا ما منح اليمنيين الثائرين المزيد من الحماسة والصمود والاصرار على خلعه من الحكم وانقاذ اليمن السعيد من هذا الحكم اللئيم.
أمام هذه المواقف المتسمة بالدماء النازفة لشعوب انتفضت مجرد لنيل حريتها وكرامتها التي استلبتها طغاة من أبناء شيطان السلطة من أمثال الاسد وصالح، يحسب موقف زين العابدين من باب التفهم والقبول لهروبه وترك السلطة الى الجيش المحايد والشعب الثائر، ويحسب موقف مبارك من باب الاحساس بالمسؤولية الوطنية من خلال التنحي وترك الحكم وتسليمه الى المجلس الاعلى العسكري والشعب المصري المنتفض في ساحة التحرير، هذا الموقف المسؤول لكل من مبارك وزين العابدين ساعد الثورتين التونسية والمصرية على الوصول الى اهدافهما بأقصر الطرق وأقل الخسائر البشرية والمادية وهذا ما ساعد على عدم انهيار بنيان الدولة مثلما حصل في ليبيا وكما سيحصل في سوريا في مستقبل قريب، وهو من اشرف المواقف التي بدرت من رؤساء الأنظمة العربية لترك الحكم.
ولهذا فان أقل ما يقال بحق حسني مبارك وعلي زين العابدين، هو دعوة الشعبين المصري والتونسي الى العفو عنهما مع تكملة الاجراءات القضائية المتخذة بحقهما حول اموال وممتلكات الدولة لضمان اعادة الاموال المنهوبة الى الشعب، وعدم شمول اي فرد من افراد العائلة الحاكمة والحاشية بهذا الأمر، وعلى ان يصدر بقرار قضائي، وخاصة تقديرا للمسؤولية التي عبر عنها مبارك بقراره الموضوعي في التنحي عن الحكم.
وفي الختام لابد من القول وكما يعلم الجميع ان العنف لا يولد الا العنف وخاصة مع الشعوب الثائرة، ومن يلجأ من الملوك والرؤساء والحكام الى هذا النهج القاتل لابد ان يعرف ان نهايته ستكون عنيفة ودموية والتاريخ سجل الكثير من هذه النماذج القاسية واخرها كان النهاية الماساوية للعقيد معمر القذافي، والعاقل quot;من اتعظ بغيرهquot; وquot;اللبيب بالاشارة يفهمquot;.
كاتب صحفي ndash; أربيل
[email protected]
التعليقات