أنتهت المهلة التي حددها المبعوث العربي والدولي كوفي عنان لوقف العنف في سورية الا أن المشهد على الأرض بقي على حاله، فالقتل هو سيد الموقف.
ولعل السؤال الأهم الآن، هو ماذا بعد انتهاء هذه المهلة؟ بداية، ينبغي القول ان انتهاء المهلة لا يعني نهاية خطة عنان أو فشلها، فالجهود الدولية تتسابق لعدم ضياعة ما وصف بفرصة أخيرة وممكنة لتسوية الأزمة السورية خاصة وأن الخطة تتلخص في وقف العنف وقيادة عملية سياسية شاملة يقودها السوريون بأنفسهم وقد حظيت بموافقة النظام السوري ومعظم أطراف المعارضة، فضلا عن الأطراف الدولية المعنية.
دون شك، مهمة عنان ليست سهلة، فهي لا تنحصر في وقف العنف وأنما في انتاج حل سياسي عبر التوصل إلى اتفاق بين الأطراف على مرحلة انتقالية تتيح التغيير السلمي المنشود للسلطة. المعضلة الأساسية أمام عنان، هي أن النظام لا يعترف بالمعارضة حيث يصنفها أما في إطار (العصابات المسلحة ndash; الجيش السوري الحر) أو المعارضة العميلة للأجندات الخارجية (المجلس الوطني). في المقابل ترفض المعارضة الحوار مع النظام وتقول انه فقد شرعيته ومصداقيته بعد كل القتل الذي حصل، وان كل همه هو إعادة انتاج نفسه والبقاء في السلطة، وفي العمق تراهن المعارضة على الزمن لدفع النظام إلى الإنهيار من خلال تصعيد الحراك الشعبي واستنزافه اقتصاديا وعسكريا و أمنيا واجتماعيا وعزله إقليميا ودوليا، وهذا أمر يكشف من جهة عن غياب الثقة الكاملة بين الجانبين، ومن جهة ثانية عن رهان كل طرف على عامل الوقت وأوراقه للنيل من الأخر وإجباره على القبول بأجندته.
النظام السوري ينطلق في قناعته هذه من استراتيجية المزدوجة، والتي تقوم على دعامتين.
الأولى : قدرته على حسم الأمور على الأرض عسكريا وقناعته بأن ما بعد بابا عمرو في حمص ومن ثم أدلب ودير الزور ومن قبل ريف دمشق ليس كما بعده.
الثانية : ان الإدارة الامريكية المشغولة بالانتخابات الرئاسية والمنكفة على الداخل على خلفية أزمتها المالية ليست مستعدة لحرب تفتح منطقة الشرق الأوسط حيث إسرائيل الموجودة في قلبها على المجهول، متسلحا (النظام السوري) بالدعم الروسي - الصيني له في المحافل الدولية، فضلا عن دعم حليفه الإيراني ومعه حزب الله على المستوى العملي.
على المستوى الإقليمي، ثمة أزمة ثقة مختلفة، فالدول المنخرطة في عملية تغيير النظام السوري (دول الخليج العربي ndash; تركيا) لا تثق بالنظام وترى أن تعاطيه مع خطة عنان هو من باب تمرير الوقت، فيما النظام نفسه يرى ان هذه الدول غير معنية بحل سياسي للأزمة بل أن هدفها الأول والأخير هو التخلص منه،عنفا أو سلما.
لكن ما سبق لا يعني أن مهمة عنان مستحيلة بل تبدو على شكل فرصة ممكنة، فالنظام السوري يدرك أن عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء وان بعد كل ما حصل لا يمكن إدارة البلاد بالشكل القديم، وان البحث عن مخرج سياسي في النهاية هو الحل، وعليه وافق على مبادرة عنان بغض النظر عن النوايا، ومن هنا يبدو ان التحدي أمام عنان بعد حصوله على موافقة النظام السوري على خطته والدعم الروسي والصيني لها يكمن في كيفية إقناع المعارضة بأن أسلوبها الرافض للحوار هي جزء من الأزمة وليس الحل وضرورة إعطاء فرصة للحوار بدلا من العسكرة، كما ان مهمته المزدوجة هنا تكمن في كيفية إيجاد آلية للحوار بين الطرفين لكسر غياب الثقة في المرحلة الأولى، ومثل هذا الأمر لا يمكن دون آليات واضحة ومحددة، فضلا عن توفر ضمانات دولية لتنفيذ بنود خطته بمواكبة إقليمية ودولية مباشرة.
دون شك مهمة عنان تبدو مفصلية في تحديد مسار الأزمة السورية، سواء نحو التسوية المنشودة أو الصدام والانزلاق نحو الهاوية، ولعل قضية سحب الجيش من المدن ووقف عمليات العسكرية مقابل وقف الجيش الحر عملياته، تشكل المحك الحقيقي لمعرفة النوايا وإلى أين ستسير الأزمة في المرحلة المقبلة.