القمة العربية التي ستعقد في بغداد يوم الخميس المقبل هي الأولى التي ستعقد في عاصمة الرشيد منذ رحيل نظام صدام حسين عام 2003، وهي تعقد وسط ظروف أمنية بالغة الخطورة بعد أن شهد العراق خلال الأيام الماضية سلسلة تفجيرات دموية أودت بحياة العشرات، وهي في الحقيقة (التفجيرات) لم تكن سوى رسالة للقمة بأن الأمن في العراق لم يستبب بعد، وأن النار ما زال متقدا وقابلا للاشتعال في هذا الظرف أو ذاك، وهي رسالة لا تزيد سخونة عن التوتر الناشئ هذه الأيام بين إقليم كردستان العراق وحكومة نوري المالكي من جهة، ومن جهة ثانية أستعار نار الخلاف المضمر بين المالكي والعلاوي، إلى درجة يمكن القول إن قادة العراق هم بحاجة إلى قمة لحل مشكلاتهم قبل أي شيء أخر. ولكن رغم هذا يسجل للحكومة العراقية نجاحها في عقد القمة العربية في بغداد في رسالة منها بأن العراق استعاد عافيته وهو مستعد للقيام بدوره في محيطه العربي والإسلامي.
عربيا، تبدو ثمة استحقاقات كبيرة أمام هذه القمة، فحتى الآن ثمة شكوك بشأن حضور زعماء العرب للقمة فيما بات معروفا أن سورية الرسمية غير حاضرة فيها بعد تعليق عضويتها في الجامعة العربية. ومع أن الأزمة السورية ستكون حاضرة بقوة في القمة سواء طرحت رسميا على جدول الأعمال أو في السر اي في الكواليس واللقاءات الهامشية، الا أن العنوان الأبرز لهذه القمة كما يبدو هو عودة الدفء إلى العلاقات العراقية ndash; الخليجية تحت عنوان عودة العراق إلى الحضن العربي، في دلالة سياسية بالغة لا تخلو من التحديات، نظرا للعلاقات الوثيقة بين العراق وإيران، والنفوذ القوي للأخيرة داخل الساحة العراقية، بل أن رئيس الحكومة أي نوري المالكي هو نفسه رجل إيران في العراق. ولعل الرسالة البارزة هنا، جاءت من الحكومة العراقية قبل أيام، عندما أعلنت ان إيران وتركيا غير مدعوتين للقمة في رسالة واضحة لضمان الحضور العربي وتحديدا الخليجي للقمة، باعتبار ان مشكلة هذه الدول هي مع إيران بالدرجة الأولى في حين كان ادراج اسم تركيا عبارة عن مخرج دبلوماسي للموقف العراقي.
دون شك، تبدو قمة بغداد ستكون مفعمة بالدلالات السياسية والأمنية والاقتصادية والاستراتيجية، وهي دلالات تتلخص في السعي العربي الرسمي والخليجي لإدخال العراق عبر البوابة الرسمية إلى المنظومة العربية المنخرطة فيما يسمى بالربيع العربي ومحاولة ربط هذه المنظومة بالحراك الدولي تجاه هذا الربيع لإعادة تشكيل المنطقة من جديدة، وفي الحالة العراقية فان السعي هو لتحقيق هدفين أساسيين :
الأول : جعل الملف السوري حاضرا في القمة، والهدف هنا، هو دفع العراق إلى الانخراط ودعم الجهود الخليجية والجامعة العربية بخصوص الأزمة السورية، وربما التأسيس على ما ستصدره القمة بهذا الخصوص للذهاب إلى المحافل الدولية من جديد ودعم الجهود الرامية إلى إصدار قرار يدين النظام السوري أو حتى اتخاذ اجراءات ضده على خليفة نهجه الأمني، بعد أن أصطدمت الجهود السابقة بالفيتو الروسي - الصيني في مجلس الأمن ولمرتين. وهنا للموقف العراقي أهمية خاصة لجهة توحيد الموقف العربي والقدرة على إنهاء التباين الحاصل بين بعض الدول بشأن التعاطي مع الأزمة السورية.
الثاني: له علاقة بالعلاقات العراقية - الإيرانية، ومحاولة فك هذه العلاقة على أساس الحد من النفوذ الإيراني لصالح دول الخليج والدول العربية بشكل عام، وفي هذا التوجه ثمة أبعاد اقتصادية وأمنية وسياسية تحكم السياسات، وبغض النظر ان كان هذا المسعى سينجح أم لا، فأن الذي ينبغي قوله هنا هو أن العلاقات العراقية ndash; الإيرانية معقدة ومتداخلة ومركبة، تتجاوز في عواملها وأبعادها القمة العربية كحدث. وعليه ثمة من يرى ان العراق الفاعل ربما يشكل أفضل حلقة للحوار بين العرب والإيرانيين من أجل علاقة أفضل في المستقل.
القمة العربية في بغداد تنعقد في ظل ظروف حساسة، تتشابك فيها الاتجاهات والسياسات والملفات، وهي في كل ذلك تبدو فاصلة لا لجهة القرارات المصيرية بل لجهة مصير العمل العربي المشترك. فانعقادها في بغداد حدث قائم بذاته، والقدرة على اتخاذ قرارات حاسمة من القضايا المطروحة باتت مسألة مصيرية، والتحدي أمام الجميع يكمن في مسألتين أساسيتين.
الأولى : موقف عربي ينجح في وقف مسلسل الدم السوري تمهيدا لمخرج ما لهذه الأزمة المعقدة والمتداخلة.
والثاني: عودة الدفء إلى العلاقات العراقية ndash; العربية بما يعني قيام العراق (البلد الذي يمتلك امكانات بشرية ومالية واقتصادية هائلة) بدور فعال في محيطه العربي والإسلامي، وهي الدولة العربية التي على حدود دولتين إقليميتين (تركيا وإيران) لهما مشاريعهما تجاه المنطقة العربية بغض النظر عن الدوافع والأبعاد والمرجعيات والأسلوب.