منذ وصول زعيم الليكود بنيامين نتانياهو إلى سدة الحكم في إسرائيل ثمة تصعيد إسرائيلي مبرمج ضد إيران على خلفية برنامجها النووي، فهاجس تحول إيران إلى دولة نووية أصبح أشبه بكابوس إلى درجة ان أحد المسؤولين الإسرائيليين قال قبل فترة انه لا يستطيع النوم وهو يفكر بهذا الأمر، ومع هذا الهاجس بات العديد من المسؤولين الإسرائيليين يهددون بتوجية ضربة عسكرية للمفاعلات النووية الإيرانية بشكل علني ويومي، وسط تقارير باتت تتحدث عن الأشهر القليلة المقبلة موعدا نهائيا لهذه الضربة.
في الجدل بشأن هذه الضربة، وعلى أعتاب اللقاء المرتقب بين نتانياهو وأوباما ثمة حديث عن تباين قوي بين الجانبين إزاء توجية مثل هذه الضربة، ومرد هذا التباين، القناعة الإسرائيلية التي تقول ان البرنامج النووي الإيراني دخل مرحلة الحسم والحصانة واللاعودة وبالتالي ينبغي تدميره عسكريا، في حين يقابله الموقف الأمريكي الذي يراهن على العقوبات التصعيدية لتغيير النظام الإيراني من داخل طهران وبالتالي الوصول إلى النووي الإيراني من خلال المفاوضات، فضلا عن الخشية من تداعيات كارثية للضربة المحتملة، ويضاف إلى السببين المذكورين الانتخابات الرئاسية الأمريكية نهاية هذا العام والتي لا يريد أوباما خسارتها بسبب هذا الملف الشائك.
على أعتاب لقاء نتانياهو ndash; أوباما، ثمة قناعة أو خشية أمريكية من أن تقوم إسرائيل بتوجيه الضربة العسكرية دون علم الإدارة الامريكية، وهناك من يرى أن نتانياهو ذاهب بنفسه إلى حسم هذا الجدل والخيار، فهو لا يريد تكرار تجربة تدمير المفاعل النووي العراقي في يونيو 1981 عندما طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيجين من سفير الولايات المتحدة الأمريكية في تل أبيب صمويل لويس إرسال برقية عاجلة للرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان يبلغه فيها بأنه تم تدمير المفاعل النووي العراقي، فنتانياهو يريد ضربة عسكرية برعاية أمريكية مباشرة أن لم تكن بمشاركة واشنطن نفسها، وهو يفعل ذلك يدرك تعقيدات الملف النووي الإيراني وصعوبة تدميره على غرار الملف النووي العراقي، سواء لجهة البعد حيث تقدر المسافة بأكثر من ألف كليومتر، وكثرة المفاعلات النووية الإيرانية والمسافات الكبيرة بين هذه المفاعلات، وصعوبة تدمير بعضها نظرا لتحصينها تحت الأرض، والأهم حسابات الرد الإيراني الذي قد يكون كارثيا على إسرائيل، إذا ما حسبنا رد الفعل المتوقع من حزب الله في جنوب لبنان وقدرته على اطلاق الآف الصواريخ إلى العمق الإسرائيلي.
على الرغم من هذه المخاطر والتداعيات المرتقبة من ضربة عسكرية محتملة، فأنه من وجهة النظر الإسرائيلية كلما تأخرت الضربة فان لحظة اقتراب إيران من بلوغ الدولة النووية تصبح قريبة، فيما الشارع الإسرائيلي وتحت ضغط التعبئة والتهويل بات يعيش هاجسا رهيبا،وصل إلى حد الحديث عن ( محرقة جديدة ) ويبدو ان مفاعيل هذه الرؤية بدأت تفعل فعلها في الشارع، إذ يكفي هنا أن نشير إلى الاستطلاع الذي أجرته جامعة تل أبيب قبل فترة، فهو يقول ان 30 بالمئة من الإسرائيليين سيهاجرون إسرائيل إذا امتلكت إيران النووي،ومثل هذا الاستطلاع والذي نشرته معظم الصحافة العالمية كعناوين رئيسة ليس من دون معنى أو دلالات، فهو أشبه بنداء إلى المحافل الأوروبية والأمريكية والغربية عموما بضرورة وضع حد للملف النووي الإيراني والا فان إسرائيل في خطر وجودي وهم ( الدول الغربية ) ستتحمل وزر ذلك، حيث الصورة الألمانية حاضرة في أذهان الجميع، والرسالة التي يريد نتانياهو من وراء ذلك هو ضرورة مشاركة الغرب وتحديدا أمريكا في عملية عسكرية ضد المفاعلات النووية الإيرانية، وهو إلحاح يدفع بالمرء إلى التساؤل ماذا لو أخفق نتانياهو في ضم أوباما إلى ما يعمل من أجله ؟ ومن هذا السؤال ينبثق سؤال أخر: لو فشل نتانياهو في ذلك فهل سيشن الحرب بمفرده ودون قرار أو تغطية أمريكية ؟ أسئلة قد لا نجد أجوبة عنها،ولكنها بالتأكيد تدور في ذهن نتانياهو الذي يسعى في جميع الحالات إلى إشراك الإدارة الأمريكية وهو على أبواب لقاء تاريخي وحاسم مع أوباما.
دون شك، الملف النووي الإيراني وما يرتبط به يكاد هو الملف الأهم ان لم نقل الوحيد الذي يحمله نتانياهو إلى الإدارة الأمريكية، وهذا التطور يأتي بعد العديد من الاجراءات التي اتخذتها إسرائيل خلال الفترة الماضية لضرب المفاعلات النووية، سواء على مستوى جمع المعلومات السرية والتي مكنت إسرائيل من اغتيال العديد من العلماء النوويين الإيرانيين أو على مستوى أعداد خطط الضرب خاصة على صعيد التدريب على الطيران لمسافات طويلة أو على مستوى التدريبات والتمارين الداخلية الشاملة في محاكاة لتعرض حرب شاملة بالصواريخ على أكثر من جبهة في وقت واحد.
نتانياهو يرى ان الزمن لم يعد لصالح دولته بل لصالح النووي الإيراني، وان أسلوب العقوبات لن يؤدي إلى نتيجة وأن التردد الأمريكي لا ينبغي ان يكون على حساب أمن إسرائيل وأولوياتها.... وهو في كل هذا يفكر بموعد الضربة العسكرية دون أن يعرف أحدا كيف ستكون المنطقة في اللحظة التي ستلي الضربة.
- آخر تحديث :
التعليقات