مع استخدام روسيا الفيتو للمرة الثانية في مجلس الأمن بشأن الأزمة في سورية لا يبدو ان موسكو ستقف عند هذا الحد،فقد جاءت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف برفقة رئيس الاستخبارات الروسية إلى دمشق وما قيل عن انه حمل مبادرة سياسية للحل لتؤكد ان موسكو عازمة على التحرك تجاه الأزمة السورية حتى النهاية على أمل ضمان المرحلة المقبلة لجهة مصالحها والتغيير الذي سيحصل.
الثابت ان لروسيا أسبابها واعتباراتها وحساباتها الكثيرة في كيفية النظر إلى ما يجري في سورية، والثابت أيضا ان هذه الحسابات والاعتبارات تتجاوز الأزمة السورية إلى الصراع التاريخي بين روسيا والغرب على العديد من المناطق والقضايا الاستراتيجية كما هو الحال بالنسبة لسورية وذلك لمجموعة من الأبعاد والأسباب، لعل أهمها:

1- ان العلاقة الروسية - السورية هي علاقة تاريخية تتجاوز المرحلة الراهنة،فهي تعود بعمقها إلى مرحلة الاتحاد السوفييتي عندما ارتبطت سورية استراتيجيا بموسكو خلال فترة الحرب الباردة وما ترتب على ذلك من بناء منظومة أمنية،عسكرية، اقتصادية وسياسية، فمعظم المشاريع التي أنشئت في سورية خلال مرحلة الرئيس حافظ الاسد تعود إلى هذه المرحلة،وما القاعدة الروسية البحرية في ميناء طرطوس وهي الوحيدة الباقية في البحر المتوسط الا تعبير عن هذا الإرث للعلاقة بين الجانبين.

2 - ان روسيا التي تشكو من تعامل الغرب معها باعتبار أن الأخير لا يتجاهل بالمصالح الروسية فحسب بل يسعى إلى محاصرتها، تارة بنشر الدروع الصاروخية في محيطها، وأخرى بتوسيع الحلف الاطلسي شرقا، وثالثة بتأليب الدول التي استقلت عنها ضدها ... روسيا هذه ترى في سورية قيمة استراتيجية عليا لها في هذه المنطقة الجيوسياسية الحساسة من العالم،وهي ترى ان خسارتها لها ستشكل ضربة استراتيجية كبيرة لأمنها القومي والاستراتيجي، وعليه تتمسك بها بكل ما أوتي من أوراق وقوة.
3 - على المستوى المصالح الآنية والاعتبارات الداخلية، ثمة معادلة مركبة تنبع أولا من ان سورية هي اليوم أهم سوق للأسلحة الروسية،إذ يكفي هنا ان نذكر ان التقارير تتحدث عن ان قيمة الصفقات العسكرية الأخيرة بين الجانبين تجاوزت ستة مليارات دولار. وثانيا: هناك اعتبارات روسية داخلية لها علاقة بطموحات فلاديمير بوتين الرئاسية من بوابة القول للناخب الروسي ان روسيا دولة عظمى وان خير من يحقق هذه العظمة هو بوتين نفسه.
طرح الأمور على هذا النحو لا يعني البقاء في معادلة الصراع وعدم البحث عن حل سياسي للأزمة السورية، فروسيا تدرك ان النظام في سورية دخل مرحلة مصيرية ولم يعد من الممكن إدارة الأمور بالنهج الأمني حتى النهاية خاصة في ظل تصاعد المواقف العربية والغربية على خلفية تأزم الوضع في الداخل السوري وتحول البلاد إلى مناطق أمنية معزولة، وتدرك روسيا أيضا أن إفشال مشروع القرار العربي ndash; الغربي في مجلس الأمن لا يعني نهاية المطاف، وان واشنطن وغيرها من العواصم الاوروبية والعربية والإقليمية ستواصل جهودها لتغيير النظام في سورية،وبالتالي لا بد من حل سياسي عبر خريطة طريق تقودها هي بنفسها مع الإقرار بصعوبة ذلك نظرا لتعقيدات هذه الازمة وتداخل الأوراق الإقليمية والدولية،والسؤال هنا ما هي أوراق روسيا للقيام بمثل هذه الوساطة؟
في الواقع،عند الحديث عن خريطة طريق لحل الأزمة السورية يمكن التوقف عند جملة من العوامل المهمة،لعل أهمها:

1- انطلاقا من العلاقة المتينة بين روسيا والنظام السوري فان الأخير يثق بالقيادة الروسية، وهذا عامل مهم جدا في إيجاد حل سياسي على شكل خريطة طريق تقدمها روسيا، خريطة تضمن خروج أمن من السلطة وإحداث التغيير المطلوب عبر سلسلة إصلاحات سريعة ضمن برنامج زمني محدد تقبل به الأطراف المعنية بالصراع.

2- ان أطرافا من المعارضة السورية ولا سيما هيئة التنسيق الوطنية وكذلك جبهة الشعبية للتغيير والتحرير تتعامل إيجابيا مع الجهود الروسية لإيجاد حل سياسي عبر مرحلة انتقالية يحدث فيها التغيير المنشود.

3ndash; ان الموقف الدولي وتحديدا الأمريكي ظل يستبعد الحل العسكري مع الأزمة السورية وأبقى المجال مفتوحا على الحل السياسي لاعتبارات لها علاقة بسورية نفسها كمنظومة إقليمية تمتد من طهران إلى الضاحية الجنوبية في بيروت مرورا بدمشق وربما بغداد المالكي، حيث يمكن ان يؤدي الخيار العسكري إلى تفجير المنطقة التي تعيش إسرائيل في قلبها، وعليه فان الحل السياسي يبقى الضمان لعدم دخول المنطقة وربما العالم في المجهول.

4- ربما معضلة الروس الأساسية في البحث عن الحل السياسي تكمن في موقف المجلس الوطني السوري الذي يرفض الحوار مع النظام بأي شكل من الإشكال،ولكن الروس وفي ممارستهم للسياسة وفنونها يدركون ان المجلس ولد في اسطنبول وان حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا له كلمته في هذا المجال وان تركيا نفسها غير بعيدة في سياساتها عن القرار الغربي، وعليه فان التحدي الأساسي أمام روسيا هنا هو في كيفية دفع المجلس نحو التفاوض والتجاوب مع الحل السياسي حتى لو عبر الأطراف المؤثرة في المجلس.
في الواقع، ما ينبغي الانتباه إليه جيدا،هو ان معركة روسيا في سورية ليست معركة بقاء النظام أو رحيله وأنما معركة تحديد الدور المقبل لسورية وعلاقة هذا الدور بإستراتيجية روسيا في الشرق الأوسط وإيران والعالم.