في زحمة الأزمة السورية برز انقسام حاد بين الاحزاب الكردية في سورية بات يهدد ساحتهم السياسية بعد ان طغى على المشهد الكردي الحزبي في الأيام الاخيرة إلى درجة انه انتقل من حرب البيانات والمواقف السياسية إلى حركة الشارع والاشتباك فيه.
دون شك، بات هذا الانقسام يطرح تحديات جمة أمام الحركة الكردية في سورية على شكل مخاطر تهدد المطالب التي يطمح الأكراد إلى تحقيقها، وهو في حقيقة الامر انقسام ليس بجديد وانما يعود إلى تسعينيات القرن الماضي على شكل استقطاب واختلاف في المرجعيات وعلاقة ارتباط بالحركة الكردستانية في الخارج،وتحديدا بين أحزاب ارتبطت تاريخيا بالحزبين الكرديين الرئيسين في كردستان العراق أي الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني وبين من يرتبط بحزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجلان المعتقل في سجن ايميرالي منذ أكثر من عقد من الزمن قبل ان يتشكل في سورية حزب الاتحاد الديمقراطي والذي هو عمليا الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني حيث تصاعد وتيرة نشاطه في سورية منذ تفجر الأحداث فيها.
مناسبة هذا الحديث هو الاحتراب الذي برز بين الفريقين إلى سدة المشهد السياسي الكردي عقب مؤتمر الجالية الكردية في الخارج والذي عقد في هولير ndash; أربيل بحضور رئيس اقليم كردستان العراق مسعود البارزاني الذي ألقى كلمة في افتتاح المؤتمر، طالبا من الأحزاب الكردية السورية وحدة الموقف والعمل على تجاوز الاطر الحزبية الضيقة في هذه المرحلة الصعبة والدقيقة من حياة سورية. ففور انتهاء المؤتمر شن حزب الاتحاد الديمقراطي هجوما على المؤتمر متهما أياه بإقصاء طرف كردي سوري مهم منه، وهو ما استدعى ردودا مماثلة من الاحزاب التي شاركت في المؤتمر متهمة حزب الاتحاد الديمقراطي بالعمل لصالح أجندة النظام السوري، بل حتى قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني في إقليم كردستان انخرطت في هذا الجدل عندما أصدر بيان أكد فيه أنه لم يكن يريد إقصاء أحد.
في الواقع،بغض النظر عن هذا الجدل وعن خفايا مؤتمر هولير، فان الإنقسام الكردي في سورية أضعف الحركة الكردية ومنعها من تحقيق انجازات تذكر على الرغم من مضي أكثر من نصف قرن على تأسيس أول حزب كردي في سورية، وإذا كان مفهوما ان يكون لأكراد سورية أحزابهم وان تختلف هذه الأحزاب فيما بينها على أسس من التعددية السياسية انطلاقا من تنوع المجتمع الكردي والاتجاهات الفكرية السائدة فيه كما هو حال كل المجتمعات والشعوب في منطقتنا الا انه من غير المفهوم الإنقسام الجاري في ساحة أكراد سورية وفقا لإنقسام المرجعيات المرتبطة أما بأكراد العراق أو تركيا، وهذا الأمر يكشف عن خلل بنيوي عميق في نشاة هذه الأحزاب وتكوينها وبالتالي مواقفها وممارساتها على الارض فيما الأجدر بهذه الاحزاب ان تكون رؤيتها مبنية من واقع أكراد سورية وطموحاتهم، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال عدم وجود علاقة مع الشعب الكردي في باقي أجزاء كردستان والتعاطف مع قضاياه،انطلاقا من وحدتهم القومية والظلم الذي عانوا ويعانون منها ولاسيما في تركيا حيث يتعرض الأكراد إلى الإقصاء والتهميش والإنكار القومي لهويتهم فيما لا يخفى على أحد ان أكراد العراق هم في أحسن أحوالهم اليوم منذ ولادة الدولة العراقية الحديثة.
في الوعي القومي الكردي السوري برزت سنة 1958 كمحطة فاصلة عندما أسس الأكراد أول حزب قومي لهم باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني تعبيرا عن وجودهم القومي وردا على الايديولوجية القومية في عهد الوحدة بين سورية و مصر، وما أتخذته هذه الايديولوجية من تشدد قومي قام على إنكار الهويات القومية للشعوب والأقليات الأخرى غير العربية، حيث طبقت بحق الأكراد سلسلة من الاجراءات العنصرية والاستثنائية من تعريب لأسماء القرى والبلدات واستهداف ثقافي وسياسي ولغوي وأمني ممنهج وصلت إلى حد تجريد عشرات الآف منهم من الجنسية السورية وبالتالي من حقوق المواطنة بغية طمس معالم الهوية القومية الكردية وضرب هذا المكون وتشتيه وتجريده من عناصر قوته وديمومته.
اليوم هناك 13 حزبا كرديا تشغل الساحة الكردية السورية، ومثل العدد الكبير من الأحزاب يطرح أسئلة كثيرة عن أسباب كثرتها وعلاقتها بالجماهير الكردية والمطالب التي تطرحها، ولاسيما ان برامج هذه الأحزاب متشابه إلى درجة كبيرة. والسؤال هنا، لماذا هذا العدد الكبير من الاحزاب؟ وهل هذا أمر طبيعي أم خلل بنيوي؟ وإذا كانت البرامج والمطالب متشابه إلى درجة الوحدة فلماذا لا تتحد هذه الأحزاب في حزب واحد؟ هل هو هوس المناصب والزعامات أم أمراض التركيبة الاجتماعية التي تبدأ من العائلية والعشائرية وتصل إلى المناطقية؟
في وعي أكراد تركيا والعراق ثمة نظرة إلى أكراد سورية بأنهم يمثلون الأخ الأصغر، والمفارقة هنا هو أن هذا الأخ الأصغر قدم لهم أضعاف ما هم قدموا له طوال العقود الماضية، فأكراد سورية شاركوا بقوة في ثورات أكراد العراق ولاسيما تلك التي قادها الملا مصطفى البارزاني عام 1974. وبالنسبة لحزب العمال الكردستاني فحدث ولا حرج عن فاتورة باهظة حيث استشهد المئات ان لم نقل آلالاف منهم في صفوف حزب العمال ومازال هناك آلالاف منهم يقاتلون في صفوف الحزب، وأتذكر جيدا ان أوجلان كان يتحدث مرارا عن أكراد سورية بوصفهم الجسر الذي يؤدي إلى إقامة كردستان. وهنا اتساءل ماذا لو سخرت كل هذا الجهود والنضالات من أجل مطالبهم في سورية؟
ما أريد قوله هنا،هو ان التطورات الجارية في سورية لم تعد تقبل مثل هذا الإنقسام في المشهد الكردي السوري، والأحزاب الكردية التي تفاجأت بالشارع الكردي يسبقها في الحراك السياسي الجاري باتت عقبة تهدد هذا الشارع وحركته نتيجة الانقسام الحاصل، وما لم تراجع هذا الأحزاب نفسها وتوحد جهودها وتنطلق في رؤيتها السياسية بعيدا عن حالة الانقسام بين المرجعيات الكردية في تركيا وإقليم كردستان العراق فان ثمة كارثة تحدق بأكراد سورية ومطالبهم بعد ان وصل هذا الانقسام إلى حد الاشتباك في الشارع،دون ان يعني ما سبق عدم الاستفادة من البعد الكردستاني في تحقيق تطلعاتهم والتي تتراوح بين مطالب عامة تتعلق بتحقيق الحرية والديمقراطية في البلاد،وأخرى تتعلق بحقوق ثقافية وسياسية لها علاقة بخصوصية الهوية القومية للأكراد في سورية.
- آخر تحديث :
التعليقات