طلعت علينا وكالة أنباء السومرية نيوز قبل بضعة أيام، بخبر طريف عن التدخل التركي فى شئون العراق الداخلية، جاء فيه: وقالت النائبة عن القائمة العراقية لقاء وردي في بيان صدر اليوم، وتلقت quot;السومرية نيوزquot; نسخة منه، إن quot;تصريحات رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان محاولة منه (لكبح)! التدخل الإيراني في العراقquot;. وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان اتهم، أمس الثلاثاء (24 كانون الثاني 2012)، نظيره العراقي نوري المالكي بالسعي إلى إثارة quot;نزاع طائفيquot; في العراق، فيما حذر من أن أنقرة لن تبقى صامتة في حال أقدمت بغداد على هذه الخطوة كونها لن تسلم منها. وأضافت وردي أن quot;التأثير التركي في العراق غير موجود وحتى وإن وجد فإنه غير مؤثر بشكل كبير كما يؤثر التوغل الإيرانيquot;، مؤكدة أن quot;تركيا تحاول الحد من خطورة هذا التوغلquot;. انتهى الخبر

وإنى أسأل النائبة أيهما أصح فى رأيها: أن تقوم تركيا بتحذير إيران مباشرة من التدخل فى شؤون العراق أم يتهم أردوغان المالكي بإثارة نزاع طائفي فى العراق ويهدده بأن تركيا لن تبقى صامتة؟ وفى يوم 25 كانون الثاني/يناير أكدت عتاب الدوري عن القائمة العراقية أيضا أن قائمتها لا تؤمن بحكومة الأغلبية السياسية ولا التوجه الى حط المعارضة معللة ذلك بأن ديموقراطية العراق حديثة الولادة. ويعنى ذلك باختصار أن العراقية لا ترضى عن حكومة الشراكة بديلا. يظهر أنها لا تعرف المثل العراقي: جدر الشراكة مايفور (قدر الشركاء لا يغلى). إن تشكيل حكومة ائتلافية ليس بالأمر الجديد، ولكنها تتشكل من قائمتين أو أكثر على أن تكون الآراء متقاربة، فهل هناك تقارب فى الرأي بين العراقية ودولة القانون؟ كل يوم يمر تزداد الشقة بينهما، ووصل الأمر الى عداوات شخصية شديدة بين قادتها ورئيس الوزراء. هل يمكن أن يشكل المتخاصمون ائتلافا من أي نوع كان ؟ اياد علاوي لا يرضى بمنصب أقل من منصب رئيس وزراء، ومع أنه نائب فى البرلمان فإنه يأنف أن يحضر الجلسات إلا ما ندر، فهل تليق مثل هذه التصرفات بسياسي قديم مثل الدكتور علاوي ؟ لا أظن أن الدكتور قد نسي أن المالكي كان قد حصل على 523 ألف صوت بينما حصل هو على 328 ألف صوت، والسيد أسامة النجيفي على 244 ألف صوت فى الانتخابات الأخيرة التى اتفق الجميع على نزاهتها.

وبالأمس أعلنت القائمة العراقية عن أنها صوتت على عودة نوابها الى جلسات البرلمان (إستجابة لرغبات شعب العراق) !!. ويحق لنا أن نتساءل هل كان إنسحابها إستجابة لرغبات شعب العراق أيضا؟؟

وفى يوم الاثنين 30/1 /2012 نشرت السومرية نيوز الخبر التالي:
(جددت القائمة العراقية بزعامة اياد علاوي مطالبتها بتشكيل مجلس السياسات الإستراتيجية، فيما أكدت أن تشكيله سيساهم في توحيد الرؤى والخطاب السياسي الوطني ونجاح القمة العربية المقبلة في بغداد). ويدل هذا على أن القائمة بدأت من الآن بوضع العراقيل أمام المؤتمر الوطني المنتظر وإلا مالذى أحيا هذا المجلس الذى كفن ودفن منذ شهور وتخلى عن رئاسته الدكتور علاوي؟؟

أما بالنسبة للتدخلات الخارجية فى الشئون العراقية فإن تركيا وايران تتدخلان فى شئون العراق منذ قرون، ولم يوقفهما عند حدهما إلا الحكم الملكي ونورى السعيد الذى إعتمد على بريطانيا وأمريكا. العراق دولة صغيرة قياسا الى أي من الجارتين الشرقية والشمالية ولا يستطيع صدهما وايقافهما عند حدهما لوحده. وما يقول البعض أن صدام قد استطاع ايقاف ايران عند حدها فى حرب الأعوام الثمانية فهى خرافة، فإن العراق لم يحصد غير الدمار نتيجة لتلك الحرب الحمقاء التى كلفته مئات الآلاف من الأرواح ومهدت للحروب التى تلتها، وآخرها تلك التى قضت على حكم البعث وقائده (الضرورة) فى سنة 2003 ولكن بأي ثمن؟ إستلم الحكام الجدد بلدا مخربا كما وعد بذلك سيف العرب.

الصراع بين الدولتين على العراق ليس جديدا، وقد ذكر ذلك الدكتور الراحل على الوردي، وذكر (الهوسة) العراقية التى كانت تقول : (بين العجم والروم بلوه ابتليناmdash;ردنا الرفك ويا ما طح بيدينا) وتعنى أردنا الرفق معهما فلم نفلح. فقد تعددت هجمات الأتراك والايرانيين على العراق لغرض تصفية الحسابات فيما بينهما، والعراق كان دائما الضحية.

لقد حذرت فى كتاباتى من نتائج انسحاب القوات الأمريكية والجيش العراقي لا يزال ضعيفا جدا ولا يقارن إلا بجيش جزر القمر. ونحتاج الى مالا يقل عن عقد من الزمن ليصبح جيشا يحسب له حساب. وقوة الجيش وحدها لا تكفى لحماية البلد وإنما الأهم منه هو توحد الشعب العراقي وشعور جميع العراقيين بالمواطنة الحقة ونسيان الخلافات الطائفية الدينية التى مزقته وتمزقه، فخسرنا نتيجة لذلك الأرواح والثروات، وما زلنا نختلف ونتجادل حول أمور قد مضى عليها أكثر من 14 قرنا ولا يمكن لأحد تغيير ما قد حصل فى ذلك الزمن.

إن شعور البعض من الشيعة بأن إيران تحميهم من السنة، وشعور البعض من السنة بأن تركيا تحميهم من الشيعة، هو شعور وهمي غرسته الدولتان فى أفكار و نفوس العراقيين للحصول على مآربهما. من فطرة البشر التحاسد بين الأقرباء أكثر مما بين الغرباء، فالانسان اذا ترك لفطرته وخير بين أن يخضع لبعض ذوى قرابته أو لأحد الغرباء يؤثر الخضوع للغريب، وهذا ما حصل عندما توج الملك فيصل الأول الحجازي وجلس على عرش العراق بتوجيه بريطاني. وهذا ما سيحصل إذا لم تتوحد الأطراف المتنازعة فى العراق وتضع مصلحة البلد فوق كل شيء.

إذا كان قادة العراقية يقدمون مصلحة بلدهم على مصالح العراق حقا، فعليهم التخلى عن مطالبتهم برئاسة الوزراء أو المشاركة بالحكومة، فإن ذلك لن يكون سهلا، لأن المالكي منتخب ويحكم وفق دستور شارك قادة العراقية بوضعه، ومنح بموجبه صلاحيات واسعة تجعل من رئيس الوزراء ديكتاتورا إن راق له ذلك. وإذا كان ولابد من تغيير بعض نصوص الدستور فيجب أن يتم التغير من قبل البرلمان القادم وباستفتاء شعبي وليس بتبادل الشتائم والتهم والسباب والتهديد والانسحابات.

من إتصالاتى اليومية بأقاربى وأصدقائى فى بغداد، خلصت الى أن الشعب العراقي قد مل من تنازع السياسيين على المناصب وإهمالهم شئون البلد المخرب فجعل يلعنهم جميعا بدون استثناء، ولا يميز بذلك بين سني وشيعي وعلماني، وكل مايريده هو وضع حد للإرهاب والانصراف الى إعادة إعمار البلد لكي يعيش الحياة الهادئة المطمئنة الكريمة التى حرموا منها قرابة نصف قرن من الزمن، ويضمنوا الأمن والسلام لأولادهم وأحفادهم من بعدهم. فهل سيستجيب لهم القادة ؟ أشك فى ذلك.

كندا