المؤامرات والانقلابات والاغتيالات والمجازر

سوريا بلد المؤامرات والانقلابات والاغتيالات والمجازر وهكذا وصفها ديبلوماسي عربي مخضرم في ندوة عقدت في البرلمان البريطاني لتناقش الملف السوري قبل نهاية العام الماضي. حيث بعد الاستقلال بثلاث سنوات حدث اول انقلاب عام 1949 وتبع ذلك ثلاثة انقلابات بعثية 1963 و 1966 وآخرها عام 1970 عندما انقلب حافظ الأسد ضد رفاقه وسجنهم. تميزت فترة حكم حافظ الأسد بالعنفية والتآمر والاغتيال السياسي. كوزير للدفاع تلقى حافظ الأسد ضربة موجعة عندما هزم الجيش السوري في حرب حزيران 1967 وخسر هضبة الجولان والتي لا تزال تخضع للاحتلال الاسرائيلي حتى الآن. جاءت الفرصة للتعويض عن هذه الخسارة وعن هذا الفشل في لبنان لاستعادة جزء من كرامته وكرامة الجيش السوري ولكن التدخل في لبنان كان عشوائيا حيث غيرت سوريا مواقفها وتحالفاتها عدة مرات وانقلبت على اصدقاء أمس واكتسبت عداء معظم الاطراف المتنازعة في لبنان ورافق ذلك مرحلة الاغتيال السياسي لخصومه اللبنانيين. يقول المؤرخون مثل فؤاد عجمي ان حافظ الأسد اختار الحل الستاليني اي حل القتل الجماعي في حماة في شباط 1982 حيث تم قتل عشرة آلاف سوري رغم ان التقديرات الأخرى تشير الى ارقام تزيد عن ثلاثين الف سوري. ومن الملاحظ ان بشار الابن قرر أن يواصل المسيرة الاجرامية التي ورثها من والده. كما ارتبط عهد حافظ الأسد بجرائم سجن المزة قرب دمشق الذي تحول الى مركز للتعذيب والتنكيل بذوي الرأي الآخر وقتلهم وكذلك سجن تدمر الذي وصفه فؤاد عجمي في مقاله في مجلة نيوزويك الأميركية بمملكة الموت والجنون (العدد الأسبوعي 23-30 كانون الثاني 2012). وبعد ثلاثين عام لا تزال السجون تستقبل الاف النزلاء بما فيهم الاطفال ليخضعوا لحفلات التعذيب والتنكيل وتشويه الجثث. على من قال ان بشار اهدر ارث والده أن يراجع التاريخ والأحداث.

ربيع دمشق وجحيم سوريا

وبعد وفاة باسل ابن حافظ المرشح للخلافة اثر حادث سير عام 1994 انتقلت الخلافة لبشار عام 2000 الذي وعد بالاصلاح والحريات وقام بالترويج لما يسمى بربيع دمشق والذي تم الغاؤه واستبداله بجحيم دمشق والمزيد من الاعتقالات والتعذيب والاغتيالات في لبنان وسوريا ذاتها. وبعد انفجار الربيع العربي قبل عام اعلن بشار ان سوريا حصينة وانها ليست ليبيا وليست مصر وليست اليمن وليست تونس. ولكن أثبت عدد من اطفال درعا ان بشار كان مخطئا ولعب اطفال تلك المدينة المنكوبة دورا حاسما في تغيير مجرى التاريخ وساهموا في الثورة التي ستسقط بشار الأسد واعوانه.

لا تستمع للمنافقين

يزعم بعض المعلقون والمحللون ان بشار الأسد رجل متعلم وذكي ولكن تصرفاته الغبية تنفي تلك المزاعم فالرجل ليس ذكيا بل غبيا ومجازفا ومقامرا. يبدو ان هذا الرجل المتعلم تجاهل الدروس والعبر وتمسك بالحل الأمني الستاليني القمعي كما فعل والده عام 1982 ولم يقدر العواقب الوخيمة الناتجة عن قتل 6500 سوري لأنهم تظاهروا ضده وطالبوه بالتنحي. واذا اراد الرئيس ان يتجنب الهلاك ويتفادى مصير القذافي او مصير صدام العراق عليه ان يختار الحل التونسي ويذهب الى ايران او روسيا أو يختار الحل اليمني ويذهب لموسكو لتلقي العلاج النفسي الذي هو بحاجة ماسة له.

مشكلة بشار انه محاط بمجموعة من المنافقين والكذابين الذين يطمئنوه ان كل شيء على ما يرام وما لا يعرفه أن تلك العصبة من المنافقين والدجالين ستقوده للهلاك. علينا ان نتذكر ان رجالات صدام حسين الذين أيدوه حتى عندما اتخذ قرارات مصيرية كارثية ساهموا في تدمير العراق وتدمير صدام وعائلته وتدمير انفسهم. ويتعين على بشار احترازيا وكخطوة اولى ان لا يستمع للاطراء والنفاق والنصائح الخاطئة من ديناصورات البعث الجاهلة من امثال وليد المعلم وبثينة شعبان وماهر الأسد ومحمد ناصيف خير بك وآصف شوكت وعلي المملوك وعبد الفتاح قدسية ومحمد سمور ومحمد الشعار وجميل بدر حسن ورستم غزالة وغيرهم من رجالات الأمن والمخابرات ذوي الأيدي الملطخة بدماء الشعب السوري.

عقدة بالروح والدم

ومن السذاجة التعويل على المتملقين الذين يصرخوا بالروح والدم نفديك يا بشار. عندما تأتي لحظة الحسم سيهرب المهرجون ويتركوا الدكتاتور لمصيره ونفس الجوقة ستقوم بالصراخ في المستقبل هاتفة بالروح والدم نفديك يا برهان غليون او يا هيثم مناع او يا محمد الدابي. هل يعرف أحد اين الذين هتفوا بالروح والدم نفديك يا صدام ويا قذافي.

لا تعول على العراق وايران

والخطأ الآخر هو التعويل على الزعران الاقليميين العاجزين عن علاج مشاكلهم الداخلية. عليك ان لا تتوقع من ايران المغامرة بحرب اقليمية لانقاذ عصابة البعث السورية. والحليف العراقي الجديد الذي يخضع للارادة الايرانية لا يزال عاجزا عن حماية الشعب العراقي من الارهابيين المحليين وغير قادر على توفير الخدمات الأساسية للشعب. أما الدعم الروسي والصيني الذي يعتمد على بوصلة المصالح الراهنة فهو مؤقت وسوف لا يستمر لأن هذه الدول الكبرى قد تسحب الدعم في اللحظة الأخيرة كما فعلتا مع صدام حسين ومعمر القذافي.

بشار الأسد وعمر البشير

بعد شهور من المماطلة والمراوغة واللف والدوران اقتنع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح انه لا حل له سوى الهرب واقتنع انه وصل الى حائط مسدود ونهاية مأساوية ولكنه في اللحظات الأخيرة ادرك الخطر وقرر الهرب لأميركا بحجة العلاج. اعتذر صالح للشعب وطلب المغفرة وهرب. وبهذا انسدل الستار على خمسة من الدكتاتوريين العرب (صدام حسين، علي زين العابدين، حسني مبارك، معمر القذافي وعلي عبدالله صالح) وحسب تقديري وقراءتي للخارطة الجيوسياسية سيتبعهم في الاسابيع المقبلة الرئيس السوري بشار الأسد وعمر البشير دكتاتور السودان. الخيارات أمام بشار واضحة فأما أن يتوجه الى موسكو للعلاج ويعتذر للشعب السوري ولاطفال درعا أو يوجه مصير القذافي أو مصير صدام حسين. هل يجرؤ احد من ديناصورات البعث ان يقول له لقد انتهت اللعبة وعليك المغادرة؟