جرجيس كوليزادة
وصف الطالباني في الإعلام العراقي وبعض الخطابات السياسية بأنه صمام أمان البلاد وهو حسب تصريحات القادة السياسيين فعلا قد أثبت انه أهل لهذا الوصف، ويقال لولا دوره بين ائتلاف دولة القانون والقائمة العراقية في ظل الظروف الراهنة لانزلق الوضع السياسي في بغداد الى تدهور شديد، ومن يعيش في العاصمة الاتحادية يلمس هذه الحقيقة بوضوح، ولكن في اقليم كردستان لا ينطبق وصف صمام الأمان الا على رجل واحد شاءت أقداره ان تضعه في صف القيادات الكردية التى تزعمت الحركة التحررية طوال العقود الثلاث الأخيرة، وهذا الرجل هو القيادي كوسرت رسول علي.
والحقيقة الساطعة في كردستان ان أربعة من القادة الكرد لا يستهان برصيدهم الشعبي، ومهما تقلبت الظروف يبقى رصيدهم في اوساط الكرد ثابتا وان اخذ بالتذبذب بين فترة وأخرى، وحجم هذا الرصيد يتراوح بين 15-25% لكل منهم على مستوى كل الاقليم، والغريب من ضمن هذا الرصيد مجموعات من المؤيدين ممن هو على الاستعداد للتضحية والفداء بروحه من اجل الرجل الذي يؤمن به، وهؤلاء القادة هم الرئيسان جلال الطالباني ومسعود البرزاني وكوسرت رسول علي ونوشيروان مصطفى رئيس حركة التغيير.
وبطبيعة الحال فان الاحداث والوقائع على ارض الميدان أثبتت ان هذا الرجل وضع مصلحة الاقليم فوق كل الاعتبارات والمكاسب السياسية الشخصية التي كان يمكن ان يحققها في حالة تحالفه مع حركة التغيير الكردية، وكان يمكن لهذا التحالف ان يغير الخريطة السياسية الكردية، ولكن بثباته وموقفه تحول الى صمام أمان فعال وعامل حيوي للاحتفاظ بالأمن والاستقرار والسلام في ربوع الاقليم خاصة خلال انتخابات البرلمان الكردستاني في 25 تموز 2009، وخلال هذه الفترة ساعد في الوقت نفسه على بروز هاديء واستيعاب ايجابي لحركة المعارضة في الحياة السياسية الكردستانية وامتصاص الآثار السلبية لظهور مثل هذه الحركات بممارسات مسؤولة لابعاد الوضع العام في الاقليم عن اي احتمال للتدهور.
وكذلك في فترة احتجاجات شهر شباط التي شهدتها مدينة السليمانية وبعض المدن، لعب هذا الحكيم الكردي الصامت دورا حيويا ورئيسيا في ابعاد المدينة وحماية اهاليها من وضع خطير كاد أن يخلقه التعامل غير الحكيم مع المتظاهرين المدنيين ومع المعارضة، وبفعل هذا الدور خرجت المدينة آمنة سالمة لتعود الحياة فيها الى طبيعتها واستقرارها، وهذا ما دفع ان يبتعد الاقليم عن العنف والتمتع بالاستقرار السياسي والاجتماعي، ومن خلال استقراء الوقائع والأحداث والأزمات التي مر به الاقليم في السنوات الماضية يتبين ان الرجل الذي لعب دور الحكيم الصامت خلال كل تلك الفترة هو كوسرت رسول، وهذا ليس بغريب عن كل مراقب محايد للوضع في الاقليم.
ويذكر في فترة الكابينة الخامسة لحكومة اقليم كردستان برئاسة نيجيرفان البرزاني، شغل كوسرت رسول منصب نائب رئيس الاقليم وخلال هذه الفترة لعب دورا حيويا في دعم رئيس الحكومة لنقل الحالة الكردية من حالة الصراع السياسي الى الشراكة السياسية بين الحزبين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني لادارة الاقليم وفق الاتفاقية الاستراتيجية بين الطرفين، ولكن خلال فترة الكابينة السادسة لحكومة الاقليم برئاسة برهم صالح، بقي منصب نائب رئيس الاقليم شاغرا لأسباب مرتبطة بالبرزاني والطالباني ولخلافات في صلاحيات الرئاسة، وقد أثر هذا الفراغ في الموقع الرئاسي على أداء السلطات الرئاسية والتشريعية والتنفيذية وسبب خللا في العملية السياسية للاقليم.
ولكن مع انتهاء فترة الكابينة السادسة للحكومة، بدأ البيت السياسي الكردي بالعمل على توحيد حضوره وقراره وموقفه استعدادا لمجابهة التطورات المقبلة على الساحة العراقية والتغييرات القادمة على الساحة الاقليمية وخاصة فيما يخص الثورة الشعبية في سوريا والمجابهات الدبلوماسية الدولية مع ايران، وأول خطوة اتخذت بهذا الاتجاه هو ترشيح كوسرت رسول لمنصب نائب الرئيس لولاية ثانية لضمان التوازن السياسي في الرئاسة والحكومة والبرلمان وتهيئة الاجواء للمرحلة اللاحقة في الاقليم، ولا شك هذا التكليف يأتي بمباركة من الرئيسين الطالباني والبرزاني، ومن المتوقع ان تنظر الأحزاب المعارضة الكردية بعين من الايجابية الكبيرة لتكليف هذا القيادي بمنصب نائب الرئيس.
ومع هذا التطور الهام في الاقليم، يبدو ان مركز القرار الكردي يتجه لتوحيد الموقف الرسمي لمجابهة التطورات المستقبلية القادمة، وتقوية المركز الرئاسي بهذا الرجل الحكيم لاعادة التوازن الى الرئاسة الكردستانية قرار صائب يأتي في خدمة الاقليم لضمان الاستقرار السياسي، وهذا الحكيم السياسي له من الخبرة والتجربة القيادية والسياسية الكبيرة التي تؤهله ان يلعب دورا أكثر حيوية وفعالية للتعامل بحكمة مع القضايا الكردستانية والعراقية، وهو الذي عمل بحكمة وصبر شديد لامتصاص آثار المواقف السياسية السلبية التي اخذت طريقها على ارض كردستان طوال السنوات الماضية، وحال دون تحولها الى عامل بؤرة لخلق أزمة مفتعلة ومتقصدة من قبل الآخرين، وتعامل بروح نابع من المسؤولية العالية تجاه كل الممارسات الاستفزازية التي ارتكبت ضده عن قصد، وتمكن بكل اقتدار من سحب البساط من كل تلك القيود والممارسات غير الموزونة سياسيا التي وجهت ضده ليخرج اكثر قوة وحكمة مع اكتساب مكانة اكبر وأحتراما أكثر في الحضور السياسي الكردي.
وهذا المكسب الجديد للقيادة الكردستانية، لاشك سيساعد على دفع العلاقات بين السلطة والمعارضة نحو الانفراج وفتح باب الحوارات فيما بينهما لتحقيق انفراج ومسار ايجابي لصالح الكرد، وهو في نفس الوقت سيساعد على تهيئة أجواء ايجابية على الساحة العراقية لحلحلة أزمة العملية السياسية، ومن المتوقع ان يلعب هذا الحكيم الكردي في العاصمة الاتحادية بفضل علاقاته الواسعة المستقرة مع أغلب القيادات العراقية ان يلعب دورا كبيرا مع الرئيس الطالباني لتقريب وجهات النظر بين الاطراف في بغداد لحل الأزمة السياسية.
وبهذا الصدد نقول، يا ليت قادة دولة القانون والقائمة العراقية يكونوا بمستوى التطورات الايجابية الحاصلة في الاقليم ويا ليتهم يكونوا بهذه الروحية والمسؤولية العالية لاخراج العراق من أزماته ومشاكله التي لا يعاني منها الا الأغلبية الفقيرة من العراقيين، وفي الختام ما عسانا الا ان نتأمل بالخير لبلادنا ولشعبنا والتفاؤل بما هو آتي، وكما قيل quot;ما أضيق العيش لولا فسحة الأملquot;.
كاتب وصحفي - بغداد
[email protected]
التعليقات