quot;أعوذ بالله من السياسة، ومن لفظ السياسة، ومن معنى السياسة، ومن كل حرف يلفظ من كلمة السياسة، ومن كل خيال يخطر ببالي من السياسة، ومن كل أرض تُذكر فيها السياسة، ومن كل شخص يتكلم أو يتعلم أو يجن أو يعقل في السياسة، ومن ساس ويسوس وسائس ومسوسquot; هذا ما قاله الشيخ محمد عبده عن رأيه في السياسة. فاليوم وفي العراق الجديد قد سُيس كل شيء، وأصبح سياسيو اليوم لا يعرفون طريق، غير طريق الأزمات والاختلافات والاتهامات، فهي زادهم في حلهم وترحالهم وبضاعتهم التي لا يملكون غيرها، وها هي الطائفية من جديد لتعود من أوسع أبواب العراق الجديد وهي السياسة، وأمست راحة البال بالنسبة للعراقيين مرهونة بما ينطقه هذا السياسي أو ذاك، رئيس هذه الكتلة أو تلك، وهم يطلون علينا من أبواب فضائياتهم التي لا نعرف عن مصادر تمويلها شيء يذكر.

وبعد إن انطوت صفحة من تاريخ العراق التي قيل عنها ما قيل واتفق واختلف الكثير من الكُتاب والباحثين في تعليلها وكيفية القضاء عليها، ورسمت في كل بيت عراقي لوحه من الحزن والمعاناة، وكُتبت قصة من الألم والمأساة، اجتهد السياسيين وفجروا أزمات سياسية بنكهة طائفية، الكل يتكلم فيها عن مصلحة الوطن وضرورة تطبيق القانون وإن يأخذ القضاء مجراه؟ الضحية في هذه الأزمات هو إفراد الشعب، وهم ndash;أي السياسيين- قائمين جالسين في حصونهم وقصورهم سوا داخل العراق أو خارجة، فهم إبطال هذا المشهد وبامتياز. وبعيداً عن اللغو والهمز واللمز وبموضوعية الباحث السوسيولوجي فأن أفعال السياسيين العراقيين، أو أقوال وأفعال المتصدرين للمشهد السياسي هي لا تبعد عن إما أو.

فهي إما تصدر عن جهل ببعض الأمور وعدم حنكة سياسية وتسرع في اتخاذ المواقف المصيرية والتي غالباً ما تكون لمصلحة حزب أو كتلة أو تجمع معين. أو هي نتيجة لضغوط إطراف مشاركين في العملية السياسية وبتوجيه أمريكي احياناً، ودولي مجاور في أحيان أخرى، وبكلتا الحالتين ستكون هناك أزمة سياسية وتصعيد إعلامي وعدم الثقة بالشريك السياسي الأخر.

نحن اليوم بحاجة إلى نيلسون مانديلا عراقي، وان كان البعض يتمنى مهاتما غاندي، ولكن لا ضير فالاثنين هما نماذج للسياسي الصالح للوطن والابن البار للبلد.

ولا يمكن وتحت إي ظرف بناء دولة في ظل سياسات الإقصاء والتهميش وعدم الاعتراف بالأخر، فهذه السياسات ثبتت فشلها وان طالت فتره حكم الأنظمة التي تتبنى هكذا سياسات، خصوصاً في مجتمع لا يتسم بالتجانس والتماثل بين مكوناته الاجتماعية. فقد هوت وتساقطت اغلب الأنظمة العربية التي حكمت بهذه السياسات. ومجتمعنا العراقي يعاني من أزمات متكررة، سوا على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وهي نتيجة لتراكم الإحداث وتعدد الإطراف، وعدم الوضوح في الكثير من المسائل المصيرية، وبالتأكيد لعدم الثقة بالأخر العراقي، أو بمعنى أدق بالشريك السياسي. ولهذا يمكن القول إن العراق اليوم بات بلدا مأزوما سياسيا، منهمكا اقتصاديا، متفككا اجتماعيا، مخترقاً إقليميا، نتيجة عدم وجود قادة لديهم القدرة على ابتداع رؤية شاملة لمعالجة تلك الأزمات المتتالية، والتي ينبع معظمها إن لم يكن جميعها من بقاء فكرة المحاصصة الطائفية كمتحكم رئيسي في العملية السياسية، ناهيك عن عدم توافق القوى السياسية المختلفة على حد أدنى من الاتفاق في العديد من القرارات المصيرية. لا بد من إعادة إنتاج العملية السياسية من جديد، وإعادة النظر في مقومات وآليات واستراتيجيات العملية السياسية برمتها بعيداً عن حالات الاحتقان الطائفي والمصالح الشخصية، وكذلك بعيداً عن مصالح الأحزاب والتكتلات والائتلافات، حتى ينهض العراق من جديد ويأخذ دورة الطبيعي في المنطقة بشكل عام وفعال، ويحيا العراقي بعراقيته لا بأي تسمية أخرى. أخيراً ونتيجة لهذا التصدع الداخلي فأن كل الطرق تؤدي إلى الأزمات السياسية.

أكاديمي عراقي