سواء قبلنا (نحن السنة اوالشيعة) بعقيدة بعضنا البعض ام لم نقبل، سواء احببنا بعضنا بعضا ام لم نحب، فان هذا لن يغير من حقيقة اننا محكومون بالعيش معا، مجبرون على الانتماء الى امة او شعب او جنس بشري واحد، وان كنا مختلفين جذريا في الاساسيات والفرعيات وفي النصوص والمتون والمرويات والاحاديث وحتى في تفسير القرآن وتأويله، يعني منهجان مختلفان، مستقلان تمام الاستقلال ولكن تحت مسمى واحد، وهو الاسلام، ولكثرة الاختلافات الجوهرية بين المذهبين اعتبرهما البعض دينين منفصلين، فالاكثريةquot;السنيةquot; تؤمن بالفكر والعقيدة اكثر من ايمانها بالشخصيات(الشخصيات تأتي في المقام الثاني) وترى ان الفكرالخلاق هو الذي يصنع الاحداث ويخلق الابطال وليس العكس، بينما ترى الاقليةquot;الشيعيةquot; ان الشخصيات المقدسةquot;ائمة آل البيتquot;تأتي في المقام الاول وعليها تقام اسس الدين ومن خلالها يبدع الفكر وتنشأ الحضارة، فالفكر عند الطرف الاول هو الذي يضفي الشرعية والقدسية على الشخصيات ويحدد صفاتهم، بينما عند الثاني الشخصيات والاحداث هي المنطلق والمحرك الاساسي لعالم الفكر والعقيدة، وهذا هو الفرق الجوهري بين الاتجاهين الذي ظل يحول دون التقائهما لقرون طويلة، ويؤدي الى فشل كل المساعي التي يبذلها اصحاب التقارب في الوصول الى اي نتيجة..!، وعلى الرغم من هذا البون الشاسع في التفكير والمنهج وادعاء كل واحد منهما انه الاصوب والاصح وان الاخر في ضلال مبين، فانهما لا يستطيعا ان يتهربا من واقع انهما يعيشان معا، تجمعهما علاقات اجتماعية واحدة، وحياة مشتركة، وبالامكان حل الاشكالية الفلسفية في تعايش النقيضين لو اعتمد الطرفان مبدأ الاحترام المتبادل والتسليم بالواقع الموجود كما هو وبكل تناقضاته واختلافاته، فما الضير من العيش معا ونحن متناقضون، ما المانع ان يمارس كل واحد منا معتقداته الخاصة بحرية من دون ان يفرضها على الاخر، اعتقد ان هذا شعور منطقي وطبيعي جدا لو سلمنا سلفا ان الاختلاف ميزة طبيعية فينا، خلقنا ليرى كل واحد منا نفسه هو الافضل والاحسن، على الا نحط من قدر الاخرين ايضا، بل نقدر ارائهم وافكارهم ونحترمها!

نستطيع من خلال هذه المعادلة الحضاريةالبسيطة ان نتغلب على احقادنا التاريخية المتراكمة، ونبدأ حياة جديدة على اساس الاحترام المتبادل كما هو موجود عند الكاثوليك والبروتستانت او بين الارذثوكس والكاثوليك في الدول الغربية، فهم اقتنعوا اخيرا ان الحروب والصراعات الدموية الطويلة التي خاضوها لقرون، لم تجد نفعا في اطفاء نار الحقد بينهم ولم تزد الحلول الترقيعية التي طرحت من اجل تقريب وجهات نظرهم وايجاد نقاط مشتركةquot;وهميةquot; بينهم الا ابتعادا، فخلصوا الى نتيجة حاسمة وهي ان لا منجى لهم الا بقبول الاخر كما هو، بكل سلبياته ونواقصه، والاعتراف بحقيقة وواقعية الاختلافات بينهم، فقرروا قبولها واحترامها، بدلا من محاربتها وإنكارها، فحولوا تلك الاختلافات إلى نقطة قوة بعد أن كانت سببا للفرقة والنزاعات.

لقد حاولنا كثيرا ان نتبنى اطرا فكرية معينة ونجتمع عليها للوصول الى ارضية مشتركة ولكننا فشلنا، دخلنا في فكرة الاسلام الواحد وادعينا ان المذهب الشيعي هو المذهب الخامس بعد المذاهب السنية الاربعة المعروفة لا يختلف عنها في شيء ولكننا اخفقنا ولم تنطل الحيلةquot;الطيبةquot;على احد وظلت الاحقاد على حالها سيدة الموقف، وعندما احتمينا بالفلسفة الاشتراكية واعتقدنا ان صراعاتنا المذاهبية تنصهر فيها وتتلاشى ونتخلص من وجع الرأس، وجدنا بعد فترة اننا كنا على وهم كبير، فقد ظلت الطبقات والمعتقدات على حالها لم تتلاش وكذلك لم يستطع دعاة القومية ان يخلصونا من هذا الصراع الدائر منذ الف واربعمئة عام وسقطت شعاراتهم الداعية الى الوحدة والحرية والانصهار في العروبة و لم تفلح الديمقراطية ايضا ان تقضي على الضغائن المكبوتة في الصدور، بل بالعكس مهدت لها الطريق الى الخروج والتعبير عنها بصورة علنية بحجة حرية الاعلان عن الرأي والرأي المخالف، مما اوصل الصراع الى اوجه في سابقة لم تشهد المنطقة مثيلا لها، كما في العراق والكويت والبحرين وسوريا وغيرها من الدول ذات التواجد المشترك...
مهما حاولنا التقريب بين المذهبينquot;الاسلاميين !quot;، فاننا نصطدم في الاخير بجملة من المتناقضات الاساسية الصارخة التي لايمكن معها الوصول الى اي نتيجة، فالنقاط المشتركة بين الطرفين تكاد تكون معدومة، بل هي معدومة فعلا، هذه هي الحقيقة التي لاينكرها الا جاهل او مجامل.

[email protected]