قطر تلعب فيما يتعلق بالتطورات الحاصلة في المنطقة دورا أکبر من حجمها بکثير، هذه مسألة باتت تثير حنق و غيض العديد من الاوساط السياسية فيquot;دول عربيةquot;، لکن هذا الدور و بحکم الکثير من العوامل و الامور قد يکون هناك ثمة مبررات و مسوغات متباينة تبيحه الى حد ما، غير ان الدور القطري و على الرغم من أهميته و فعاليته و حساسيته، لکنه ليس بإمکانه أن يرقى الى مستوى الدور الذي يلعبه زعيم حزب العدالة و التنمية الترکي من جهة، والى مستوى الدور الذي يلعبه أيضا مرشد النظام الديني في إيران بخصوص تطورات المنطقة بصورة عامة و الوضع السوري بصورة خاصة.

رجب طيب أردوغان، ذلك السياسي البراغماتي الذي توفق الى حد بعيد في التمويه على الشارع العربي و إظهار نفسه و کأنه نصير للحرية و الديمقراطية، دخل الى دول الربيع العربي من الشباك قبل الباب، و کأي براغماتي متمرس ضرب و قسم و جمع وعمل کل حساباته ومن ثم بدأ يدلو بالتصريحات و يتبعها بحذر بمواقف عمليةquot;محسوبة لها ألف حسابquot;، ولئن کان الرجل في الحالات المصرية و الليبية و التونسية، منساقا و منجرفا و مشرئبا بثورية مفرطة، لکنه و في الحالة السورية ذات الخاصرة الکردية، نجد ثورية أردوغان تقنن و تروض أکثر من اللازم، و يعود الرجل لحسابات أدق بکثير من تلك الحسابات التي أجراها في الحالات العربية الاخرى.

أردوغان الذي يريد أن يظهر بحامل بيرق الانتفاضة الثورية العربية بوجه النظم العسکريتارية الدکتاتورية، يريد أن يقايض أسد دمشق المشلول خارجيا و المصاب بالهستيريا داخليا، مقابل إخراجه من الورطة العويصة الحالية، لکن مشکلة الاسد انه قد أعطى و منح لترکيا أهم ورقة کانت عنده وهي عبدالله اوجلان الذي يبکي عليه النظام السوري الان دما و ليس دموعا و يتمنون لو تمکنوا من إعادة عقارب الساعة للخلف و حالوا دون تلك الصفقة الوضيعة و المخزية التي کان نخاسها الاول بشار الاسد نفسه، واليوم و بعد تلك الخدمةquot;الکبيرةquot;التي قدم بها الاسد رأس اوجلان على طبق من ذهب لأردوغان، يأتي هذا البراغماتي المتسربل برداء حداثوي عثماني، ليقدم للغرب رأس الاسد نفسه على طبق من الصفيح لکي يعوض مافاته من صفقات و منافع في الاحتلال الامريکي للعراق و اسقاط نظام البعث.

المرشد الايراني الذي يشعر بخيبة و إحباط شديدين ليس بالامکان أبدا وصفهما من جراء الزلزال الثوري الذي بات يهز قلعة النظام السوري الحصينة، يفکر على الضد من أردوغان، بل هو يريد أن يحافظ على نظام الاسد و يبقيه بأية وسيلة ممکنة نکاية بکل الشامتين الذين طفقوا يرون في سقوط الاسد اول غيثquot;السقوطquot;الذي سينهمر على رأس المرشد الايراني و نظام ولاية الفقيه برمته،ينظر بسخط بالغ لأردوغان وهو يحاول الإيقاع و التنکيل بأهم حليف له على الاطلاق في العالم، لکنه و لکي يدفع أردوغان الى التقليل من غلوائه تجاه نظام الاسد، قام بفرکة اذن نوعية له عندما أعطى إشارة لرجلهم القوي في العراق نوري المالکي کي يعطي تصريحهquot;الملفت للنظر و الغريبquot;بشأن صحوة الضمير الذي إنتابته فجأة على الکرد في ترکيا و دعوته للعثمانيين الجدد کي يحلون المشکلة الکردية حلا سلميا!!!

تراجع الدور الترکي نوعا ما بخصوص الاوضاع في سوريا، قد لايکون تراجعا دائميا، وانما هو مرتبط و متعلق بمستجدات و تداعيات الاحداث التي تعصف بالمنطقة ولاسيما الملف النووي الايراني الذي بات يؤکد الغرب عليه کثيرا في الآونة الاخيرة، وعندما يجد أردوغان بأن الاسد قد بات قريباquot;تصيدهquot;، فسوف يعود کالسلطان محمد الفاتح کي يفتح دمشق و يسلم مفاتيحها للغرب بإخلاص، وفي هذا الفاصل المثير سيفجر الاسد مفاجأته الکبرى و يعلن موقفاquot;متميزاquot;وquot;خاصا جداquot;من الکرد في بلاده، بحيث يغدو وکأنه أسد کردي فعلا، وهو موقف وان لن يغير شيئا من المصير الاسود للنظام السوري المجرم لکنه سيکون لاذعا بل و قاتلا لأردوغان إذ قد يساهم او يعمل على دفع الکرد في ترکيا لإنتفاضة عاصفة قد تنهي و تنسف کل أحلام العثمانيين الجدد وفي اوضاع کأوضاع المنطقة کل شئ وارد و فرض المحال ليس بمحال!