نتيجة للانتخابات الأخيرة التى جرت فى 7/3/2010 حصلت القائمة العراقية على 91 مقعدا فى البرلمان ودولة القانون على 89 مقعدا والائتلاف الوطني على 70 مقعدا. وفى يوم 4/5/2010 أعلن عن تشكيل كتلة الائتلاف الوطني التى تشكلت من دولة القانون والائتلاف الوطني حيث أصبح مجموع مقاعدهم 159 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان البالغ 325 مقعدا. ورفضت القائمة العراقية التخلى عن تشكيل الحكومة الجديدة بحجة تفوقها بمقعدين على دولة القانون، بالرغم من تفسير المحكمة الاتحادية العليا للمادة 76 من الدستور بأن الكتلة البرلمانية الأكبر هى التى تشكل داخل البرلمان سواء من كتلة واحدة أو كتلتين وليس الكتلة التى حصلت على أكثر المقاعد فى الانتخابات.

افتتح المجلس البرلماني الجديد فى يوم 14/6/2010 وأعلن عن تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة السيد نورى المالكي بعد تكليفه من قبل رئيس الجمهورية السيد جلال الطالباني فى يوم 25/11/2010، وبعد مداولات شاقة بين رؤساء الكتل المتناحرة تم الاتفاق على تشكيل حكومة وطنية تشترك فيها جميع الأطراف السياسية. وترضية للدكتور علاوي فقد اتفق السياسيون على تشكيل ما سمي ب ( المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية العليا) وإناطة رئاسته بعلاوي الذى أصر على التصويت عليه من قبل البرلمان ومنحه سلطة تنفيذية وهذا يخالف الدستور، ولم يوافق عليه مجلس النواب. شعر علاوي بالغضب العارم فقد كانت رئاسته المرجوة لمجلس السياسات تعوضه معنويا عن منصب رئيس الوزراء الذى هو شغله الشاغل، ولم يجد بدا من التخلى عن رئاسة المجلس.

معظم العراقيين كانوا قد ضاقوا ذرعا بالمعممين الذين حشروا أنفسهم فى الأمور السياسية ويحاولون إخضاع البلد لسلطتهم، بينما السياسة كما كانت عليه منذ القدم تتطلب مهارة بالمراوغة والمخاتلة والكذب، مثلما قيل عن الحرب بأنها (خدعة) ولا بأس فى أن تخدع عدوك لتنتصر عليه. وبحثوا عن قائد علماني فوجد بعضهم فى علاوي ضالته لهذا المنصب، وفوجىء الجميع بحصول قائمته على صوتين زيادة على ما حصلت عليه دولة القانون. وسرعان ما جرت الاتصالات بين دولة القانون والائتلاف الوطني وشكلوا كتلة واحدة باسم الائتلاف الوطني التى أصبح لها 159 مقعدا فى البرلمان، فحق لها تشكيل الحكومة الجديدة. ومع أن الحكومة تشكلت بمساهمة جميع الأحزاب والكتل فيها، فان القائمة العراقية لم تتوقف يوما واحدا عن مهاجمة الحكومة ورئيسها، ووضع العراقيل أمام عملها، فعطلت الكثير من المشاريع الحيوية التى يحتاجها البلد المخرب، وبدلا من مساندة الحكومة فقد استمرت بالعمل على إضعافها.

إن المشكلة ليس فى المشاركة الوطنية ndash;كما يطلق عليها قادة العراقية- ولكنهم فى الحقيقة لن يقبلوا بأقل من تشكيل الحكومة بقيادة الدكتورعلاوي، فلقد أعطيت العراقية 8 مناصب وزارية فى الحكومة، ومنحت منصب نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء، كما حصل أحد أبرز قادتها السيد أسامة النجيفى على منصب رئاسة البرلمان واستفاد من منصبه للدعاية لقائمته فى كل رحلة يقوم بها لخارج العراق. وبقيت ثلاثة مناصب شاغرة فى الوزارة بسبب إصرار العراقية على مرشحيها الذين لا يثق بهم رئيس الوزراء الذى خوله الدستورلتعيين الوزراء أو الاستغناء عنهم و بموافقة البرلمان. أما السيد صالح المطلك الذى منح منصب نائب رئيس الوزراء لم يكف يوما عن انتقاد رئيسه، ووصلت به الجرأة الى القول بأن المالكي يشبه صدام فى دكتاتوريته والفرق بينهما أن صدام كان يعمر والمالكي يخرب. وإنى أتساءل هل كان المطلك يجرأ على انتقاد صدام ولو فى سره؟ إنه يعلم جيدا أن زعيمه القديم صدام هو الذى خرب العراق بحروبه الحمقاء، بينما المالكي وبالرغم من العقبات التى وضعتها القائمة فقد قام بإصلاحات كثيرة لا مجال لذكرها. أما اتهامه بأنه سائر بالعراق نحو الدكتاتورية فليس هناك شاهد حقيقي على ذلك. وبصراحة، ليته ينفرد بالحكم ليستطيع إعادة إعمار البلد بسرعة فائقة بدلا من المناقشات الطويلة العريضة فى البرلمان، وغالبية العراقيين لا يفهمون الديموقراطية وتعودوا على الحكم الدكتاتوري.

لو كان قادة القائمة العراقية مخلصين حقا لوطنهم لكفوا عن المطالبة بتشكيل الحكومة او المشاركة فيها وشكلوا معارضة قوية فى البرلمان تراقب أعمال الحكومة وحتى مؤازرتها فيما يخدم مصلحة العراق. ولكنهم فضلوا أن يكونوا سبابين شتامين ويكيلون التهم الباطلة للحكومة وكل غايتهم هى إسقاطها والاستيلاء على السلطة فى العراق، واشباع شهوتهم للحكم وليس لخدمة الشعب. الدكتور علاوي يشعر بالمهانة إن قبل بمنصب أقل من منصب رئيس الوزراء، فهو لم يحضر جلسات البرلمان الا نادرا ومع ذلك يستلم رواتبه ومخصصاته الخيالية بدون انقطاع، ولا بد أن جولاته (الجوية) الشهيرة الى لندن وواشنطن وبيروت وعمان والرياض وانقرا وغيرها من العواصم يستجدى مساعدتهم للحصول على كرسي الرئاسة قد كلفت الخزينة مبالغ باهضة. ولم يكفه ذلك فقد دعا الحكومتين الأمريكية والبريطانية والأمم المتحدة للتدخل فى شئون العراق الداخلية وإسقاط الحكومة الحالية. وقام هو وقائمته بدعوة الأمم المتحدة للتدخل لمنع الحكومة العراقية من طرد من يسمون أنفسهم (مجاهدى خلق) الايرانيين من العراق. فهل هذه أعمال وطنية؟ لوكانوا وطنيين حقا لساندوا الحكومة بدلا من عرقلة أعمالها وانتظروا لحين موعد الانتخابات القادمة ويرونا (شطارتهم).

النزاع على السلطة قد سبب نفورا شديدا بين السنة والشيعة ووسع الهوة بينهما مما جعل السنة يميلون الى تركية والشيعة الى ايران، وكلتا الدولتين لهما مصالح ومطامع أزلية فى العراق. وهما لا تختلفان من هذه الناحية عن البلدان العربية المجاورة وغير المجاورة، فالكل يتدخلون والكل طامعون، ولماذا لا يتدخلون وهم يرون العراقيين مختلفين وسياسييهم يتقاتلون على المناصب؟ وكما أن بعض الشيعة يسهلون تغلغل الايرانيين من الحدود الشرقية فان بعض السنة يسهلون تغلغل الاتراك من الحدود الشمالية ويفسحون المجال لدخول الارهابيين من الحدود الغربية والجنوبية ليفجروا أنفسهم بين عامة الناس حيثما اجتمعوا حتى وإن كان ذلك فى بيوت العبادة والمستشفيات والمدارس والاسواق، ويسمون قتل العراقيين وتدمير العراق (جهادا) وينسون وجود إسرائيل بينهم تحيك المؤامرات لاضعافهم وتتبادل التمثيل الدبلوماسي مع بعض الدول العربية سرا وعلانية، ولم يفكروا فى إرسال إنتحاري واحد اليها!!.

ومشكلتنا المزمنة مع الأكراد فى الشمال هى من أعوص المشاكل التى عانى منها العراق منذ تأسيسه، ولو سمح لهم بإنشاء دولة لهم فى حينه لوفرنا على أنفسنا الأرواح التى أزهقت والمدن والقرى التى دمرت والمبالغ الطائلة التى أنفقت. نحتاج الى القيادة التى تعترف بالأمر الواقع وتجد الجرأة على التفاوض مع الأكراد على الانفصال وترسيم الحدود ما بين الطرفين، وهذا لن يكون سهلا ولكن لا بد من التحرك فقد استمر نزف الدماء بدون طائل ولا بد من وقفه بأي ثمن. لقد أثبت الأكراد أنهم أذكياء الى درجة جعلوا ساستنا يتجهون نحوهم لحل المشاكل فيما بينهم، وأصبحت أربيل ملجأ للهاربين من بغداد من الساسة من أمثال طارق الهاشمي. وهم يستفيدون من تشتتنا للحصول على حقوقهم وأكثر، ويساومون الكتلتين الكبيرتين للحصول على المكاسب لقاء تأييدهم لكتلة دون الأخرى. وصرح اليوم رئيسهم السيد البرزاني بأن سبب الخلاف بين الساسة هو عدم التزامهم باتفاقية أربيل !!. هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى يجب أن نتعامل معهم بكل طيبة واخلاص آخذين فى حساباتنا أننا نتعامل مع جيران جدد قد يغيرون رأيهم فى يوم من الأيام ويعودون لأحضان وطنهم العراق.

صباح اليوم (الجمعة 13/1) قرأت ما يلى فى اور نيوز، ولم أجد الوقت للتأكد من صحته، وليس عندى سببا لتكذيبه :
بغداد/اور نيوز
كشفت صحيفة لوفيغارو الفرنسية في مقال لاحد كتابها هو جورج مالبورنو عن ان جهاز الاستخبارات الاسرائيلي quot; الموسادquot; الذي تسلل الى شمال العراق استطاع ان يجند عملاء له للعمل داخل ايران التي تشهد بين فترة واخرى تصفية علماء لها يعملون في لجنة الطاقة الذرية الايرانية، كان اخرهم العالم مصطفى احمدي روشان الذي قتل في طهران قبل ايام. ويكشف كاتب المقال عن ان شمال العراق، ومنذ سنوات، يعد مرتعا خصبا للموساد، منوهاً الى تصفيات شملت المئات من علماء واساتذة الجامعات والطيارين والعسكريين المهنيين. وهذه ليست المرة الاولى التي يتحدث فيها كاتب فرنسي اوصحيفة فرنسية عن وجود الموساد فى شمال العراق فهناك كتاب موثق بالصور وتبادل زيارات لمسؤولين في الموساد والحزبين الكرديين من تاليف كاتب فرتسي اسم الكتابquot; الاكراد والموسادquot; وتم ترجمته الى العربية. (انتهى الخبر، ولا تعليق لى عليه)

أما تشكيل دولة سنية وأخرى شيعية فى العراق فيجب عدم التفكير فيه مطلقا، فهذا غير ممكن ولن يكون، ومن يحض عليه فهو خائن او جاهل، فان ما يجمع بين العراقيين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وقومياتهم هو شعورهم العميق بالمواطنة، وكل ما يحصل من مشاكل فهى وقتية كأي مشكلة تحصل بين افراد الاسرة الواحدة، إذ سرعان ما يتصالحون، والصلح خير، ويعودوا يدا واحدة للنهوض ببلدهم الى ما كان يطمح اليه زعيمنا خالد الذكر الراحل عبد الكريم قاسم.
عاطف العزي