عمر كايد*
أليس غريبا أن تكلف الجامعة العربية خالد مشعل للقيام بدور الوسيط مع النظام السوري؟ ولماذا اختارت الجامعة مشعل بالتحديد للقيام بهذه المهمة؟ وما هي المكاسب السياسية التي تحققها حماس بعد اختيار مشعل للقيام بهذه الوساطة؟

لا شك أن من أهم صفات الوسيط أن يكون له رصيد من الثقة لدى طرفي النزاع أو الخلاف. ولا شك أيضا أن حركة حماس ورغم عتب كلا طرفي الأزمة في سوريا (النظام والمعارضة) عليها، إلا أن رصيد الحركة عند كل منهما بقي موجودا. فحماس لم تؤيد النظام في الطريق الذي انتهجه لإنهاء الانتفاضة الشعبية، رغم الرسائل المتكررة من القيادة السورية التي تدعو فيها حماس لاتخاذ موقف يكون بمثابة رد جميل على استضافة دمشق للحركة ودعمها منذ فترة طويلة. كما أن الحركة في الوقت نفسه لم تستجب لكل الدعوات التي تحثها على الخروج من دمشق، لرفع غطاء الممانعة والمقاومة عن النظام. ولم تغفل تقديرها لمواقف القيادة السورية واحتضانها للمقاومة رغم الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها دمشق.

أما عن موقفها إزاء التظاهرات والاحتجاجات في سوريا، فقد أكدت الحركة احترامها لمطالب وإرادة الشعوب، وهو الأمر الذي جنب الحركة سخط الشارع، وزاد من أسهمها، ودفع بالكثيرين للتحدث عن استقلاليّة الحركة، وانسجامها مع مبادئها الأخلاقية والدينية والسياسية.

أما السبب الثاني لتكليف مشعل بهذه المهمة الصعبة، فيعود في تصورنا إلى حرص الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي إلى إيجاد حل سياسي من داخل البيت العربي للأزمة. بمعنى أن العربي أراد تشذيب الأزمة السورية من التأثيرات الإقليمية والدولية. ويبدو ان رهانه هنا له علاقة بالمعرفة الدقيقة لمشعل بالقيادة السورية وكيفية تفكيرها وتصورها للأمور نظرا لإقامة مشعل في دمشق وعلاقته الوطيدة بالقيادة السورية الأمنية والسياسية.

أما السبب الثالث، فيعود إلى ثقل حماس لدى الحركات الإسلامية، ولا سيما الإخوان المسلمون. إذ تعتبر حركة الإخوان من أكثر الجماعات الإسلامية تنظيما في العالم. وقد بدأت ووفق نتائج الانتخابات التي أجريت في أكثر من بلد عربي تتصدر واجهة المشهد السياسي وتملك مفاتيح التغيير وإعادة رسم الخارطة العربية. ولا شك أن اختيار حماس التي تعتبر جزءا تاريخيا منها، يعبر إلى حد كبير عن توجهات الإخوان ( الذين هم يشكلون جزءا تاريخيا من المعارضة السورية) وتطلعاتهم في حل الأزمة السورية.

إضافة إلى هذه الأسباب فإن علاقة حماس الوثيقة بعدد من القوى الإقليمية، خصوصا تركيا وقطر اللتين انخرطتا بقوة في الأزمة السورية، كل ذلك يجعل من وساطة حماس مصداقيّة لدى كل القوى والأطراف، ويدفع البعض للتعويل عليها والإيمان بجديتها رغم حظوظها الضئيلة.

بغضّ النظر، سواء نجحت وساطة حركة حماس في تخفيف التوتر والتوصل لحل سياسي كما أمل مشعل، أم لم تنجح في إيقاف دوامة العنف؛ فإن اختيارها للقيام بهذه الوساطة يعطيها المزيد من القوة ولاسيما على الساحة الداخلية الفلسطينية على حساب حركة فتح وسط استحقاقات انتخابية منتظرة، كما يظهر الحركة وكأنها القائد للشعب الفلسطيني وهي من تحدّد سياساته وخياراته، فضلا عن ذلك كله فإن هذه الوساطة ساهمت بشكل أو بآخر في فك العزلة أكثر فأكثر عن حماس والظهور بمظهر القوة الإقليمية الصاعدة إذا ما ربطنا الوساطة بالجولة التي يقوم بها رئيس الحكومة في غزة إلى عدد من الدول العربية والإسلامية، وهذه كلها معطيات من شانها تعويم حركة حماس على المستويين العربي والدولي.

*كاتب فلسطيني مقيم في لبنان