لا يوجد معارض سوري واحد يرغب في تدخل دولي في بلاده في الأوقات العادية، حتى في الوقت الذي أدخل الاستبداد الإنسان السوري في حالة من الخوف التي رمته فريسة للركود و الصمت، رفض السوريون أي تدخل في بلادهم، رفضوا بشدة احتمال التدخل الأمريكي في سورية بعد الحرب التي أطاحت بالديكتاتور العراقي صدام حسين، الموضوع كان يخضع بالنسبة للسوريين و للقوى المعارضة السورية آنذاك إلى معادلة بسيطة وواضحة، مفادها أن الاستمرار في الحياة تحت ظل الاستبداد، رغم صعوبته و عنفه و أذاه، يظل أفضل من تدخل خارجي تسقط معه ضحايا بشرية كثيرة، سيما و ثمة أمل كان آنذاك لدى قطاعات لا بأس بها من الشعب السوري بأن يشرع النظام في إصلاحات يمكن أن تقود و لو ببطء إلى واقع أقل قمعية و أكثر احتراما لحقوق الإنسان و أقل فسادا و هدرا لمقدرات البلاد و للأموال العامة، السوريون حينها لم يعقدوا العزم على تحدي النظام القمعي ولا على الخروج عليه، لذلك كانت الحياة مستمرة رغم عنفها وصعوبة اعتبارها معقولة و مقبولة بالنسبة للغالبية الساحقة من الناس،

بعد الثورة السورية الموضوع أصبح مختلفا تماما، انتفض السوريون بمئات الآلاف مطالبين بإسقاط النظام، خرجوا معلنين أن لا حياة ممكنة في ظل هذا النظام و تحت سقف تسلطه و استبداده، صرخوا و أعلنوا فقدانه شرعيته، لكن النظام أعمل القتل فيهم، و حول المدن لسورية إلى ساحات حرب مفتوحة، لجأ إلى القمع بلا حدود، لم يوفر النظام أية أداة قمعية، إلا و زجها في معركته على حرية شعبه، لجأ حتى إلى القصف بالأسلحة الثقيلة، حول البلاد بأكملها إلى سجون كبرى تضج بآلاف المعتقلين من المتظاهرين، وصل في محاولته سحق شعبه درجة غير مسبوقة طالت رموزه و مقدساته و حرمة جسد أبنائه، أحياء و أمواتا، بلغت وحشيته حد الجرائم ضد الإنسانية و الإبادة الجماعية، لقد بلغت أعداد ضحايا القتل الممنهج الآلاف، و لا مؤشرات تدل على إمكانية توقفه عن استهداف المدنيين ولا عن احترامه لإرادة شعبه أو خضوعه لمطالبه العادلة، عدم مقدرة النظام السوري على حسم معركته ضد شعبه لصالحه ومواظبته على القمع وزجه للمزيد منه في الشارع السوري، مع عدم استطاعة الثورة السلمية في الوقت نفسه هزيمته و خلخلة بنيانه الداخلي توطئة لانهياره، ولد في الواقع الثوري الذي تعيشه البلاد ردود فعل لدى السوريين الثائرين تمثلت في التحول إلى المقاومة العنفية التي تستند إلى حق الدفاع عن النفس في مواجهة فعل القتل و القمع الذي يستخدمه النظام بحق المتظاهرين منهم، النظام السوري الذي اتخذ من جماعات مذهبية بعينها استنادات أمنية و عسكرية ينهض عليها في مواجهة شعبه، جماعات عمل على إعادة بناء لوعيها و مخيالها الجماعي بما يجعلهما مكرسين لخوف و عزلة و شعور بالخطر و غياب للثقة فيمن يشكل الأغلبية الدينية في البلاد، فوضعها في احتمال مواجهة مع شعبه الثائر و تناقض في الإرادة و المصلحة مع بقية السوريين في الموقف من النظام السياسي و موضوع الديمقراطية في البلاد، هذا النظام إنما يعرض المجتمع إلى خطر التصدع و الانشقاق على نفسه، الأمر الذي سيترك الباب مفتوحا على مصراعيه لتعقد الوضع السوري أكثر فأكثر و يتركه نهبا لخطر الحرب الأهلية ويدخله في نفق اسود خطر يصعب الخروج منه،

يأتي التدخل الخارجي في سورية الآن، بعد فشل المراقبين العرب في إيقاف القتل وسقوط أكثر من 300 شهيد منذ بدأت مهمتهم، و في ظل العجز الموضوعي عن ذلك لكل الوسائل التي لا تودي بأذرع النظام الأمنية و العسكرية بوصفه الحل الوحيد ليس لتغيير النظام و إنما لحماية المدنيين من قتله و قمعه الذي استهدفهم بشكل مباشر، و لتجنب ما هو أسوأ في سورية، تجنب الاحتراب الأهلي الطائفي الذي يسير إليه الوضع الحالي ببطء، لكن بزخم متزايد يوما بعد يوم، المجتمع الدولي إذا تدخل في سورية فسيكون تدخله من اجل حماية الناس التي هددها النظام و استهدفها ماديا و جسديا و ليس رمزيا و معنويا، و تدخله سيحسم المعادلة لمصلحة الثورة بسرعة تسمح لها أن تنتصر قبل أن تتحول الأوضاع إلى حرب أهلية حقيقية لا تبقي و لا تذر،فعندما يتخذ مجلس الأمن الدولي قرارا بحماية المدنيين و يعلن عن التزامه القيام بما يلزم من أجل ذلك، ستبدأ أبنية النظام و هياكله بالتصدع على الفور، و سيشهد العالم بداية الانشقاقات الكبيرة في صفوف الساسة و الدبلوماسيين عنه و القابعين حتى هذه اللحظة في صفه، و ستتجذر دينامية الانشقاقات العسكرية و تزداد زخما، كما و نوعا، و سيتخلى عن النظام كل الواقفين معه خوفا و المترددين جزعا من قمعه و انتقامه، و من يدري فقد يطاح بالنظام من قبل بعض الفاعلين بين صفوفه الآن أو قد يتنحى و يبحث مجرميه و على رأسهم بشار الأسد عن ملاذ امن، صحيح أن احتمال حدوث ذلك قبل التدخل ضئيلا لكنه يبقى احتمالا واردا، و ليس استبعاد الشروط التي توجد مثل هذا الاحتمال و على رأسها طلب التدخل الدولي وصولا إلى إقراره في مجلس الأمن إلا منحا للنظام فرصا أكبر في الحفاظ على تماسك صفوفه، و بقائه مستشرسا و قمعيا و قاتلا لشعبه دون أفق حقيقي تتحقق فيه هزيمة الاستبداد والمستبدين،

أما إذا حصل التدخل الدولي لحماية المدنيين بالفعل و تعرضت أدوات النظام القمعية إلى تهشيم و تعطيل و تعرضت القوى العسكرية و الأمنية إلى التدمير وحصلت نتيجة لذلك خسائر مادية و بشرية في صفوف النظام، فمسئولية ذلك تقع على النظام وحده بصفته الطرف الذي يقتل و يهدد حياة المدنيين المطالبين بالحرية و الديمقراطية و الكرامة،فإن توقف عن قتل المتظاهرين و اعتقال الآلاف منهم و تعريضهم لشتى صنوف القهر و الترويع تنتفي مشروعية التدخل الخارجي و تنتفي معها المطالبة به و هو ما يمتنع النظام عنه منذ بداية الثورة، لا أحد يتطلع بطلب التدخل الدولي إلى الانتقام من مساندي النظام من المجرمين و لا أحد ينظر إلى قتلهم و سحقهم بوصفه الحل الأمثل، لكنه الحل المتبقي أمام السوريين من أجل الحفاظ على حياتهم و الدفاع عن مطالبهم في الحرية، و ستكون محصلة التدخل الدولي في سورية من القتلى في المقام الأول في جهة الطرف الذي يقمع و يساند القمع و يصر على قتل المدنيين و الأبرياء، ستكون لجهة تقويض عوامل القمع و الاستبداد التي ما انفكت تفتك بالإنسان السوري الثائر من أجل جريته و حياته، و هو أمر له مشروعيته و مبرراته الأخلاقية التي لا تقبل التشكيك بأي حال من الأحوال،

يبدو لي أخيرا أن القائلين بتجريم التدخل الدولي في الموضوع السوري يسكتون عن أن الذي يدعو العالم إلى التدخل من أجل حماية المدنيين السوريين هو في الواقع الطرف الذي يمعن في قتل السوريين و إرهابهم، و هو النظام السوري، و أن الكرة في ملعبه هو، هو من يستطيع أن يتجنب ذلك التدخل بالتوقف الفوري عن ممارسة القمع بحق المتظاهرين، وإذا أراد الذين يقفون ضد أن يتحمل المجتمع الدولي مسئولياته تجاه حماية المدنيين السوريين فليوجدوا للمجتمع السوري وسيلة و ليتبعوا نهجا يمنعوا معه هذا القتل اليومي، و سيصفق الجميع لهم و سيرمي السوريون بمطالبهم عن الحماية الدولية عرض الحائط، أما حين يتعذر على هؤلاء ضمان ذلك و حين يصر النظام على قتله شعبه على النحو الذي يفعله، ثم يستمرون بالوقوف و العمل ضد التدخل الخارجي الكفيل بوقف المجازر اليومية في سورية، مراهنين على سقوط نظام توتاليتاري مجرم، هو أخطر من النازية و أقسى من الفاشية على شعبه، من خلال التظاهر وحده و في ظل المعادلة الداخلية المعقدة طائفيا و عسكريا و سياسيا و أمنيا فهم كمن يساهم،من زاوية حسن الظن بهم و ليس سوئه، في أخذ البلاد إلى المجهول و الحرب الأهلية أو إبقاء أوضاعها رهينة للقمع و للاستبداد نتيجة لبقائهم أسرى لقراءة و تحليل و موقف فيه من الرومانسية و التخندق الأيديولوجي و المجانية ما فيه،



عضو المجلس الوطني السوري
رئيس حزب الحداثة و الديمقراطية لسورية