قرأت في ايلاف الاثنين الثاني من كانون الثاني 2012 العنوان التالي واقتبس: صحيفة اردنية تحذر الاسلاميين من خطورة التلويح بالعمل الميليشياوي. جمهورية ثورية او طالبانية دينية؟ الأردن ليس يوتوبيا مثالية الحاجة للاصلاح الفرق بين الأردن وسوريا ما هو ممكن ومطلوب العائلة الهاشمية صمام الأمن والأمان
حيث حذرت صحيفة quot;الرأيquot; الحكومية الاردنية الاثنين الحركة الاسلامية المعارضة من خطورة quot;التلويح بالعمل الميليشياويquot; وquot;العصيان المدنيquot;، وذلك بعد ايام من مظاهرة نظمتها الحركة تقدمتها مجموعات من الشباب معصوبي الرؤوس بشارات خضراء تحمل عبارة quot;طفح الكيلquot;.
وقالت الصحيفة في مقال افتتاحي تحت عنوان quot;الى اين يأخذون الاردن؟quot;، انه quot;آن الاوان لان يدرك قادة الحركة الاسلامية ان الظروف الراهنة في المنطقة لا تسمح بالمغامرات أو تعريض أمن بلدهم وشعبهم للخطرquot;. نهاية الاقتباس.
لنتكلم بصراحة ومن متابعاتي للملف الأردني أجد ان هناك فئة من النشطاء والمحللين والمعلقين يلوحوا واحيانا يلمحوا باسقاط النظام واستبداله بنظام جمهوري ثوري او نظام طالباني ديني وهناك فئة سوف لا يرتاح بالها الا اذا غرق الأردن في صراعات داخلية وبحر من الدماء. لا نعرف ماذا تريد هذه المجموعة الناشطة التي تستعمل المطالب المشروعة بالاصلاح والقضاء على الفساد كمطية أو جسر للوصول الى غايات مشبوهة لا علاقة لها بالاصلاح بتاتا لا من قريب ولا من بعيد. هل يريد هؤلاء نظاما جمهوريا او نظاما دينيا؟
ومن منبر ايلاف الاعلامي اود ان اقول للأردنيين quot;احذروا الفتنة واحذروا ذوي الاجندات الاقليمية والعقائدية الذين يستغلوا المطالب بالاصلاح لتحقيقق اغراض واهداف وأجندات وايديولوجيات تسعى لقلب النظام وتحويل الأردن لدولة فاشلة.quot;
أي دراسة موضوعية لتاريخ الجمهوريات العربية الثورية ستكشف لنا انها انظمة فاشلة ومستبدة واقصائية وفشلت اقتصاديا وسياسيا وجلبت الكوارث لشعوبها وبلمحة سريعة استعرض بعض هذه الجمهوريات وادائها.
في انقلاب عام 1952 وبعد سقوط الملكية في مصر جاء نظام جمهوري اشتراكي ثوري قومي وحدوي. أغرق النظام المصري الثوري بقيادة المرحوم جمال عبد الناصر المنطقة بالشعارات النارية التي دغدغت مشاعر الدهماء في الوطن العربي ولكن في لحظة الحسم وبعد 15 عام لم تثمر هذه الشعارات الجوفاء اي شيء سوى فقاعات صوت هوائية حيث مني الجيش المصري بأكبر هزيمة في تاريخه المعاصر في حزيران عام 1967 ولا تزال الشعوب العربية تدفع ثمن هذه الهزيمة الكبرى ولا تزال فلسطين بأكملها تخضع للاحتلال. وبعد 60 عام لاتزال مصر تعاني من نسب عالية من الأمية والفقر والبطالة والقبضة العسكرية الأمنية حتى بعد تنحي محمد حسني مبارك بعشرة شهور.
وعن العراق ومنذ ذلك اليوم المشؤوم في 14 تموز1958 عندما تم ذبح الملكية لم ينعم العراق بيوم واحد من الاستقرار والرخاء. وبعد المزيد من الانقلابات والتصفيات والاعدامات واضطهاد الشعب من شيعة واكراد وسنة دخلت العراق بسبب غباء الدكتاتوريات البعثية الحاكمة في حرب ضروس مع ايران استغرقت 8 سنوات ثم تبع ذلك احتلال الكويت وام كل الهزائم والحصار والغزو الأميركي وارهاب القاعدة والصراعات الطائفية. وحتى هذه اللحظة يعاني الشعب العراقي عواقب السياسات الغبية للحكومات العراقية المتعاقبة. ولا تزال آلة القتل الطائفي تعمل دون توقف ولا يزال ارهاب القاعدة موجود والصراعات الطائفية لا تزال مشتعلة.
أما عسكر ليبيا بقيادة الجاهل معمر القذافي الذي اسقط النظام الملكي في ايلول عام 1969 عاث في الأرض فسادا لمدة 41 عام وأخضع الشعب لحكم جائر وحياة من البؤس والظلم والاضطهاد والنظريات الغبية والقتل والتعذيب. ولم يتخلص الشعب الليبي من هذا الكابوس الا قبل شهور قليلة والمستقبل لا يزال مجهولا.
اذا لم تقتنعوا انظروا الى النظام الجمهوري الثوري الوراثي البعثي السوري الذي قتل من السوريين في 10 شهور اكثر من 6500 سوري ناهيك عن الذين اختفوا او لاقوا حتفهم في السجون. فمنذ استيلاء عصابة دمشق البعثية على السلطة اواخر الستينات لم تتوقف المجازر حتى هذا اللحظة.
اذا أراد دعاة الاصلاح والتغيير في الأردن نظاما جمهوريا ليقولوا لنا أي موديل يفضلون؟ العراقي او المصري او الليبي او السوري او الجزائري او السوداني؟
أم يفضلون نظاما دينيا على غرار الطالبان في افغانستان ام الشباب في الصومال الذين يرجمواالبنات القاصرات او النوع الذي تمارسه حكومة السودان الفاشلة التي تجلد النساء في الأماكن العامة لارتداء البنطال؟ الحقيقة تقول ان الحركات الدينية بشكل عام والاخوان المسلمون بشكل خاص يتحدثوا عن الديمقراطية ولكنهم غير قادرين على الالتزام بمبادئها وفعلا حدث هذا في غزة تحت حكم حماس. ببساطة يستعملوا السبل الديمقراطية للوصول الى الحكم ثم يفرضوا دكتاتورية تحكم بالشريعة الطالبانية.
هذا لا يعني بأي حال من الأحوال ان الأردن يوتوبيا من الازدهار والنهضة والرخاء الاقتصادي وحسن الادارة والنزاهة. الواقع يقول ان هناك تقصير اداري على مستوى انجاز معاملات المواطنين. هناك فساد متفشي على مستويات مختلفة في اجهزة الحكومة. هناك نسب عالية من الفقر والبطالة ولكن كل هذه النواقص لا ترتقي لمستوى ما يسمى الدولة الفاشلة Failed State.
مما لا شك فيه هو تواجد افراد وجماعات ومؤسسات تقف كحجر عثرة امام التقدم والاصلاح. رغم أن العاهل الأردني ذاته قال في مناسبات عديدة انه لا يمكن التراجع عن مسيرة الاصلاح. وتحدث الملك عن الديمقراطية وحذر من الحرية الغير منضبطة وفي خطاب هام بتاريخ 12 حزيران الماضي أكد الملك الاختلاف بين التحول الديمقراطي المطلوب والقابل للتحقيق من جهة والخطر من الفوضى والفتنة من جهة اخرى. وفي رسالته لرئيس الوزراء عوني الخصاونة بتاريخ 24 اكتوبر أكد الملك أهمية تحرير الاعلام من التقييدات ولكنه ايضا حذر من الديماغوغية والتحريض والامتناع عن تشويه صورة الأردن.
لم يواجه الأردن الاحتجاجات والمظاهرات التي تطالب بالاصلاح بالرصاص او القنابل التي تحتوي على مسامير ولم يتم استخدام الدبابات لحصار المدن واقتحامها وقتل العشرات كما يحدث في الجمهورية الثورية البعثية السورية الشقيقة بل اعترف الملك بمطالب المحتجين ووعد باصلاحات جادة بما فيها منح الأردنيين الحق في انتخاب رئيس الوزراء واعضاء الحكومة.
ويحق لنا التساؤل هل المطلوب تغيير تدريجي او تغيير عاجل برزمة من الاصلاحات والقوانين والتعديلات؟ ربما ان التغيير التدريجي سيكون بطيئا في ظل رياح الربيع العربي العاتية ولكن التغييرات السريعة الغير مدروسة قد تؤدي الى زعزعة الاستقرار. وربما ان الخط السليم هو المباشرة في الاصلاحات الاقتصادية لكي يشعر المواطن ان هناك تغيير ايجابي ملموس ويجب ان يرافق الاصلاح الاقتصادي اصلاح سياسي شامل. ومن الأولويات ترسيخ قوانين ومباديء تضمن المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات في اطار قوانين عصرية تستند على مباديء كونية مثل مبدأ احترام حقوق الانسان بغض النظر عن الدين والمذهب او الجنس.
وأشدد القول أن الأردن على علاته وهي كثيرة يبقى افضل من كل الانظمة الجمهورية الموجودة على الساحة حيث ان هناك حرية اعلامية وصحافة ديناميكية ومواقع اخبارية مليئة بالحيوية وهناك جدل ونقاش صريح في البرلمان. حتى فرسان الفضائيات النشامى الذين يظهروا من حين لآخر ليشتموا الأردن لارضاء قوى وايديولجيات اقليمية لا صلة لها بالأردن ولا تخدم الأردن يعودوا لمنازلهم من الاستوديوهات والمنابر الاعلامية ولا يعترضهم احد ولا يتم القبض عليهم. هؤلاء المنافقون يطالبون بالاصلاح في الأردن بصوت مرتفع ولكنهم لا يجدوا الشجاعة في دعم الشعب السوري الذي يطالب بالاصلاح ولا يدينوا قتل المدنيين بحجة انها مؤامرة ضد نظام ممانع مقاوم وصامد.
اثبتت العائلة الهاشمية المالكة انها صمام الأمن والأمان للأردن. يحكم الأردن ملك هاشمي واعي وعاقل. لا يحكم الأردن دكتاتورية ثورية جاءت بانقلاب عسكري بل نظام ملكي دستوري له شرعية دستورية ودينية وتاريخية، فهو يحكم بعقلانية وحكمة جلبت الاستقرار والأمن لعقود من الزمن، كما جلبت التقدم في مجالات الاقتصاد والتعليم والصحة والسياحة والزراعة والصناعة والفن وبنية تحتية تضاهي بعض الدول الأوروبية. هناك مؤسسات دستورية ومجتمع مدني ناشط واحزاب سياسية وآليات رقابة ومحاسبة وقضاء نزيه ومستقل ورغم كل الشكاوي عن التدخل في الاعلام الا ان هناك صحافة ديناميكة ومواقع اخبارية متنوعة على الشبكة العنكبوتية تنبض بالحياة والنشاط ويتمتع الأردن بأعلى نسبة من مستعملي الحاسوب.
وأقول نعم للاصلاح ونعم للتظاهر السلمي ونعم للقضاء على الفساد ولكن اقول ايضا تمسكوا بالهاشميين لأن البديل سيأتي بالويلات والمصائب وما عليكم الا القاء نظرة على الخارطة الاقليمية. طالبوا بالاصلاح، تظاهروا سلميا ولا تفرطوا بالهاشميين.
اعلامي عربي - لندن
- آخر تحديث :
التعليقات