بدأ العد العكسي، المتجمهرون يصرخون بصوت واحد، ثلاثة، أثنان، واحد....هييييي....دخل العام الجديد، نظرت إلى ساعتي فوجدتها في الثانية عشر إلا دقيقتين! تصور إني متأخر عن العالم وعن ركب الحضارة بدقيقتين كاملتين. بالنسبة لي أن الدقيقتين هما متسع من الوقت، ربما سأغمض عيني وأتمنى بعض الأماني التي ربما ستتحقق يوما ما في وسط حشد من الأمنيات أغوص فيه بين المحتفلين. الفرق هو أن أمنياتي ستصل متأخرة دقيقتين كاملتين، ربما لن تجد لها مكان في السماء بعد أن تغلق الأبوب، لكنها ستدخل بالتأكيد، فأن تأتي متأخرا ً خيرا ً من أن لاتأتي أصلاً.

ليست هناك مشكلة في ذلك، ولكن، ماذا سأتمنى ياترى؟ مممممم، لابد أن أحبس أمنياتي بدقيقتين. في الحقيقة هناك أمنيات كثيرة، فمنها شخصية تتعلق برغبات ومنها اجتماعية واقتصادية وسياسية طبعا ً. لقد تمنيت أن أدخل في غيبوبة أكتب بها قصيدة، وإن لم أدخل في تلك الغيبوبة سأكتبها بالحمام من غير أن يطرق علي الباب أحد. تمنيت أن أهدي زوجتي خاتما ً جميلا ً في العام الجديد، ولكن تمنيت قبل ذلك أن أملك المال لذلك. تمنيت أن التقي بأشخاص أعزاء علي، ولكن قبل ذلك أن ننزع أقنعتنا ونخرج من الحفلة التنكرية التي نحن بها. تمنيت أن أتمشى مع أبي نؤاس على نهر دجلة وفي يدي سكار، وسأنفخ حينها بوجه الضابط الذي صفعني على وجهي عندما كنت طفلا ً يلعب على ضفة نهر دجلة بحجة أن القصر الجمهوري يقبع في الضفة الأخرى من النهر، سأسمح حينها لأبي نؤاس بكتابة قصيدة عني وعن ضابط الأمن. سوف لن أسلمه إلى الحرس الوطني الآن بعد أن تغير الزمن، ولكن عندي له سؤالا ً واحدا ً فقط، لماذا تصفع طفلا ً بريئا ً وكنت تقدر أن تبعده عن المكان بكلمة. تمنيت وتمنيت، أنتهت ثانيتين من الوقت.

تمنيت أن التقي السيد أوباما رئيس الولايات المتحدة، ليس في البيت الأبيض طبعا ً، ولكن في ساحة من ساحات بغداد، سأشكره طبعا ً على الإنسحاب من العراق، سأشتري له بوضة من محل قريب، بالتأكيد سنضحك كثيرا ً، وفي نشوة الضحك سأعاتبه على مافعلته أمريكا في العراق، فقط عتب بسيط على جرم كبير بحجم العراق، على السيارة المحطمة التي سلم مفاتيحها للسيد المالكي، والتي يركب بها مجموعة من اللصوص والقتلة والإرهابيين الذين يحرصون على حمل أحزمتهم الناسفة معهم أينما رحلوا، ولايقبلون أن يشاطرهم الكرسي الأمامي في السيارة أحد، إذ سيقصونة بالحال بحزام ناسف. تمنيت أن التقي بدر شاكر السياب، صدقوني سأفرح به كثيرا ً، لكنه بالتأكيد سيستغرب من تهنئته على موته المبكر في عز شبابه، ولكني بالتأكيد سأشرح له بأنه إن لم يمت بالمرض سيموت بالسجن كمعارض سياسي لحزب البعث، أو بالحرب العراقية الأيرانية، أو أنه سيبيع الديوان فبعشرين دولارا ً في زمن الحصار إن لم يكتب قصيدة لصدام حسين وحينها قد مات معنويا ً، وفي أسوء الحالات فأنه سيموت بمفخخة وهو يفكر بالتفعيلة لقصيدة ما، وقبل أن أتركه، بالتأكيد سأقول له بأن مازال في العراق جوع وأن الغربان والجراد مازالا منتشران في هذا البلد.

تمنيت أن أكون سائقا ً لحافلة نقل الركاب من نوع تاتا الهندية، سأفتح خطا ً جديدا ً من المنطقة الخضراء إلى الصحراء قرب الحدود العراقية السعودية. سأخذ في حافلتي المالكي وعلاوي الذي سأعاتبه، على عدم حضور البرلمان بالرغم من راتبه العالي، والنجيفي والعيساوي والهاشمي والسنيد والعلاق والجعفري والحكيم والعامري والصدر والمطلك والعطية والطلباني والبرزاني وكل السياسيين الحاليين حتى تمتلئ الحافلة ويركبون وقوفا ً. سوف لن أخذ أجرة منهم أبدا ً بل سأطعمهم وأعطيهم راتبين لشهرين متتاليين وسيحتفضون بجوازات سفرهم وسأشتري لهم علكا ً بطعم الفراولة كي لايملو طول الطريق. سنضحك طويلا ً وهم يتذكرون أيام السلطة حتى نصل إلى الصحراء وهناك سأركبهم بطائرة حديثة من نوع جامبو ومن ثم سيرحلون إلى كندا أو أستراليا أو غرين لاند قرب القطب الشمالي، وإن لم يوجد مطار في الصحراء سأبني واحدا ً مخصوصا ً لنقلهم جوا ً إلى كل مكان، وسيكون مطار بمدرج واحد لايستقبل الطائرات بل فقط يودعها. ذهب من الوقت ثانيتين.

في الوقت المتبقي، تمنيت أشياء ليست كثيرة. تمنيت أن لايشغل جيراننا المولدة الكهربائية عند الصباح فإنها تقتل العصافير بغازها المسموم، كيف لا تموت العصافير ولون ستائرنا تحول إلى اللون السود من فعل ذلك الغاز، تلك المولدة التي يموت صوت فيروز من صوتها المدمر. تمنيت أن لايستخدم بائع الغاز منبه مخصص للشاحنات في منطقتنا السكنية عند السادسة فجرا ً. تمنيت أن تغلق أمانة بغداد فتحة في الشارع لمياه الصرف الصحي مات بها طفل وشاب في العام الماضي. تمنيت أن من تجار الأسلحة بحسهم الوطني أن يستوردوا أسلحة وعتادا ً فاسدا ً، وديناميت لاينفجر بالقرب من الاطفال والنساء، وإطلاقات لاتصيب الأبرياء، فتلك هي الطريقة الوحيدة لوقف العنف في العراق مادام شيوخ القتل والتكفير يملئون رؤوس الإرهابين بالحقد والكراهية وتدمير الذات ويركب معهم أمراء القتل من السياسيين. تمنيت أن لاتنطفئ الكهرباء في هذه اللحظة كي أرى العالم كيف يحتفل بالعام الجديد بينما العراقيون يموتون كل عام بالمفخخات. تمنيت أن يخترع العلماء جهازا ً يشخص الفاسدين وحينها سنوفر نصف المبلغ السنوي من الميزالنية التشغيلية لأن نصف الموضفين أن لم يكن أكثر سيكتشفهم الجهاز من آثر الفساد على يديهم. وأخيرا ً، تمنيت أن لا تنتهي الدقيقتين كي أتمنى الحب والمحبة والسعادة لكل البشر، وأدرك حينها بأني مازلت على قيد الحياة.

[email protected]