شيوع ظاهرة الاعتداء على الإعلاميين والصحافيين ظاهرة خطيرة في بعدها الأخلاقي والإنساني، وقد اتسعت وباتت تأخذ مديات يغلب عليها الطابع العدائي العنيف، خاصة في البلدان التي تشهد اضطرابات ونزاعات فئوية سياسية يريد بعضها تكميم الأصوات وخنق حريات التعبير، وهو جانب ربما يأخذ في صيغته هواجس وانعكاسات نفسية وهوساً وأمراضاً مستعصية أزلية.. لكن أريد إن أقف عند ظاهرة لا تقل في مضمونها الأخلاقي المهني، والتي برزت خلال السنوات الأخيرة، وهي اعتداء الفنانين على الصحافيين والإعلاميين ممن يتابعون قضايا الأدب والفن والفنانين.

ولا يختلف اثنان على أن الكثير من الصحافيين الذين يدخلون هذا المجال، سواء في الموسيقى أو المسرح أو السينما، أو حتى في مجال الإعلام، كانوا قد درسوا وتعلموا في معاهد مهمة وأخذتهم الصحافة على حين غرة لميولهم الأدبية والثقافية ليتمرسوا فيها ويعبروا عن نقل ثقافتهم ونقدهم المعرفي إلى الوسط الذي يشتغلون فيه، لأنهم بالتالي يشكلون قاعدة فكرية تتلازم مع إبداع وعطاء الفنان أو الأديب في قراءة المنجز ونقده وفق منهج أكاديمي يسهم في تأشير الأخطاء وتصحيحها، وفي المقابل فإنه يبشر بهذه الطاقات الخلاقة في كتاباته النقدية في الصحف والمجلات الأكاديمية المتخصصة، وبهذا تكون العلاقة توأميه تحقق الرقي الاجتماعي، لأن الثقافة والفن خريطة طريق لمجالات الحياة المختلفة في المجتمعات المتحضرة منها والناشئة.

أكتب هذه المقدمة والآلام تحز في نفسي وأنا اقرأ أو أشاهد ما يحدث من خروق أخلاقية من بعض الفنانين، وربما حتى الإدارات الفنية للمهرجانات العربية خاصة الذين يتسترون على الاعتداء بالضرب أو التجاهل لصحافي أو إعلامي خارج عن العرف كونه حالة شاذة، لأن الفنان بسلوكه هذا يمثل تناقضاً مع شفافية رسالته التي ينبغي أن تكون في أعلى سموّها المهني في المجتمع.

نعم، لأن ما حدث للزميلة عائشة الدوري، المذيعة والإعلامية المثقفة والناجحة في العديد من برامج السينما العالمية بما تمتلك من موسعة سينمائية، خلال مهرجان الدوحة السينمائي، خارج على العرف والأخلاق حينما تعرضت للضرب من فنان عربي نكن له الحب والتقدير والإعجاب هو عمر الشريف الذي رفع يده باتجاهها ليصفعها لأنها كانت تطلب منه لحظة تصوير وحوار قصير لقناتها الفضائية quot; الحرة عراق quot;، رفع اليد مهما كان سببه (فقط بالدفاع عن النفس) مرفوض من إي إنسان كان، فكيف إذا كان من فنان عريق له حضور عالمي وعربي كبيران؟! فإذا كان الشريف فعل هذا الفعل الفاضح، إذا هل يمكن أن نتسامح مع فنان مغمور أو كاتب أو جاهل أو متخلف فعل نفس فعلته؟ بالمقابل تأتي أعذار إدارة مهرجان الدوحة التي كانت أقبح من الفعل، فقد اجتمعوا وطلبوا من المعتدى عليها حصر الموقف بأقل أضرار ممكنة، وكونها قد اعتدى عليها طالبت منهم بإصرار أن يتقدم باعتذار علني رسمي بسبب الفضيحة التي سبّبها لها، لكن الإدارة تسترت من دون أن تصدر بيان استنكار لزميلة هي من قامت بدعوتها.

ولا أقف عند الزميلة عائشة بهذا الموقف المحرج، لأني حينما سألتها كيف حدث ذلك، أجابت بصوت مكسور: (إن عمر الشريف بعدما صفعني، حاولت إخفاء دمعتي وحفظ ماء وجهي أمام الكاميرات التي كانت موجودة حينها، رغم أنني كنت متألمة)، واعترفت في الوقت ذاته بأنها أخطأت برغبتها في التصوير لبرنامجها، فهي إعلامية تلفزيونية ولديها برامج معروفة، ولا تبحث عن الشهرة من وراء عمر الشريف، فقد كانت في الموقع المخصّص للإعلاميين.

وكما حدث للزميلة عائشة حدث الشيء نفسه للزميل اللبناني الدكتور جمال فياض من قبل الفنان ملحم زين الذي ضربه بصحن في فندق شيراتون الدوحة بحضور ملحم بركات وحشد فني كبير، وذلك على خلفية سؤال فياض لزين عن سبب عدم إلقائه التحية على الموسيقار ملحم بركات، فانهال زين بالشتائم على فياض وتطور هذا الإشكال بشكل مخجل لا يليق بفنان وصحافي.

هذه شواهد بسيطة تذهب بنا إلى بؤس العلاقة التي يجب أن لا تسود بين الفنان والصحفي، فكلاهما صورة حضارية تعكس إبداعها وسلوكها للآخرين.