لقد صرح السيد المالكي في مؤتمره الأخير وفي كلمات لاحقة أخرى بأنه يتجه نحو تشكيل أغلبية سياسية، وفي مناسبات عديدة صرح مسؤولون في دولة القانون بأن تشكيل حكومة أغلبية هو خيار إضطراري! لقد أتت كل تلك التصريحات بعد الأزمة السياسية التي يعيشها الوسط السياسي العراقي على أثر الإتهامات بالإرهاب الموجهة للسيد نائب رئيس الجمهرية طارق الهاشمي المتواجد في كردستان العراق. هل يمكن للسيد المالكي المضي في مشروعه نحو حكومة أغلبية، وهل هذا حل واقعي للأزمات السياسية التي يعيشها العراق والتي ستقود البلاد إلى مصير مجهول.

أن الفرق بين السياسي والفنان أو الشاعر أو حتى الكاتب، أو قل أن الفرق بين السياسي الناجح والسياسي الفاشل هو أن السياسي الناجح هو من يدير الأمور من خلال نظرته الواقعية للأمور، أما السياسي الفاشل فإن نظرته فيها شيئ من الرومانسية والمثالية مما تعطيه صورة خاطئة عن الواقع فيسيئ التقدير وتكون النتائج ليست على مايرام. أن النظرة الواقعية تختلف عن الرومانسية والمثالية بأنها تنطلق أبتداءا ً من المعطيات الحقيقية الموجودة على الأرض إضافة للخبرات السابقة التي يكتسبها السياسي من خلال التجارب التي مر بها السابقون فيحولها إلى نظرية جديدة تلائم الظروف الجديدة فقط ومن ثم يصنع من تلك النظرية موديل خاص به يحدد الرؤية التي يجب أن يتعامل بها مع باقي الأطراف الحليفة منها والغير حليفة. أما النظرة الرومانسية والمثالية فهي تمتلك مسبقا ً تصور إفتراضي عن الواقع وتريد فرضه بحكم نظريات سابقة وأحكام مسبقة ربما تلائم بيئة سياسية مختلفة في مكان آخر من العالم فتحدث حينها الكارثة.

لا أستطيع الحكم بأن الكثير من السياسيين العراقيين هم فاشلون فمنهم من يخلق الأزمات ليس برومانسيته أو مثاليته بل لأنه يمثل أجندات خارجة، فهو واقعي في خلقه للأزمات، ولا أقصد هنا طرف معين بل أقصد كل الأطراف. ولنعود مرة أخرى إلى تشكيل حكومة الأغلبية والتي تعتبر خيارا ً إضطراريا ً على حد قول دولة القانون بسبب العرقلة التي يتعرض لها الجهاز التنفيذي برمته على أثر عدم تعاون أو التعطيل من قبل البعض، وخصوصا ً المشاركين من القائمة العراقية.

لايخفى على أحد بأن القائمة العراقية توحدها الأزمات أكثر من برنامج العمل الذي تتبناه، لذلك كانت ومازالت تفتعل الأزمات لتبقى موحدة ومتماسكة، ومثال على ذلك تعطيل تشكيل الحكومة العراقية أشهر طويلة بحجة إستحقاق القائمة رئاسة الوزراء بعد تجاوزها قائمة القانون بمقاعد قليلة، وهم يعلمون ماذا تعني الأغلبية، إذ أن تشكيل القائمة العراقية للحكومة ماهو إلا محض خيال وضرب من الأحلام. فحتى لو تمكنوا قانونيا ً من تشكيل الحكومة فهم لم يكونوا ليستطيعوا تشكيلها إلا من خلال التحالف مع كتل أخرى في البرلمان والذي لم يكن ليحدث أبدا ً بسبب طبيعة التوافقات الطائفية التي يعرفها الكل. لنفس السبب لايمكن للسيد المالكي أن يحكم بمنطق الأغلبية مادامت العملية السياسية تحكمها التوافقات المبنية على المحاصصة الطائفية.

أن بناء حكومة أغلبية سياسية ماهو إلا حلم يراود قائمة دولة القانون بعد أن تعبوا من سياسة الجزء المعطل في الحكومة على حد قولهم. ولكن هل يمكن تحقيق أغلبية سياسية في العراق؟ بالتأكيد لا، والسبب بسيط بالطبع! إذ لايوجد في العراق تيارات سياسية ذات طابع أيدلوجي من ذات اليمين وذات اليسار، فلا وجود ليمين محافظ مقابل يسار أو ليبرالي، أو بعض التيارات فيما بين القطبين لتحدث تحالفات سياسية. أن أغلب القوائم الموجودة على الساحة هي إسلامية ذات أبعاد طائفية وأي تحالفات لتشكيل أغلبية سياسية ستقع بالتأكيد وبلا ريب في التحالفات الطائفية، مما يعني بأن السيد المالكي سيشكل حكومة شيعية مقابل معارضة سنية. لقد بنيت العملية السياسية برمتها على مبدأ الديمقراطية التوافقية والتي تعني أن الكل لابد أن يشارك أو يوافق وإلا سوف لن تمر العملية السياسية على خير مايرام. هذه حقيقة وعلى السياسيين أن ينطلقوا من تلك الحقيقة ليكونوا واقعيين وليسوا رومانسيين أو مثاليين.

أن مشكلة العملية السياسية في العراق هي إنها بنيت على المحاصصة الطائفية على أثر التجاذبات الأقليمية ذات الأبعاد التاريخية. أما المخرج لهكذا أزمات فهو العودة للحوار بدل لغة الإقصاء وعدم الثقة التي تسود وتسمم أجواء المناخ السياسي في العراق. والسؤال المهم هو: لماذا لم تحدث التوافقات بين الفرقاء بعد هذه الفترة الطويلة؟ الجواب هو أن هناك سياسيون لايمكن التعامل فيما بينهم، وبمجرد إستبدالهم ستعود التوافقات إلى طبيعتها، فهناك من السياسيين من يفتعل الأزمات ليعطل الأداء الحكومي برغم مشاركته في الحكومة، وهناك من يدفع بالإتجاه الطائفي بعد تحريك الشارع هنا وهناك من أجل مكاسب سياسية ضيقة. إذن، الحل هو التوافق، ولابديل عن التوافق ولكن برجال آخرين أكثر واقعية وإحترافية في العمل السياسي.


[email protected]