اذا نتابع الحالة الكردية من جديد على المستوى الدولي نرى أن الرهان الكردي ما زال مستمرا على الدور الأميركي في العراق رغم أن كل المؤشرات تدل على أنه رهان خاسر. فهل أصيب القادة الأكراد بنوع من العمى السياسي؟

فهل يوجد رئيس في الولايات المتحدة الامريكية يقدم على اتخاذ قرارات خارج الأجماع الوطني الامريكي؟ وهل نسى قادة الأكراد تقرير بيكر- هاملتون ذا التزكية الحزبية المشتركة الجمهورية والديمقراطية؟ حيث تجاهل التقرير الحقوق المشروعة للشعب الكردي لصالح دول أقليمية في الشرق الأوسط لماذا لايدركون حقيقة بأن الولايات المتحدة الامريكية وحلف الاطلسي وبالتنسيق مع اسرائيل تستعمل تركيا كثقل مضاد ضد ايران والعراق و تطور في الفترة الاخيرة الى ثقل مضاد لسوريا الآن.

يضاف الى ذلك نجاح اللوبي الأسرائيلي في تطويق النزاع العربي الأسرائيلي في البيت الابيض من جديد، و واللوبي الاسرائيلي سوف لن يقبل بعمل الأدارة الامريكية مع الأكراد كحليف محتمل لأنها مسألة تمس مصير المنطقة وتكون موجهة ضد مصالحها، بسبب فرص السلام القادمة بعد ثورات التي سميت بالربيع العربي واسقاط الانظمة العربية المعادية للتسوية ولذلك لن تستطيع الأدارة الامريكية الجديدة بسبب علاقتها الأستراتيجية مع أسرائيل، ودورها القادم في قضية السلام في الشرق الأوسط ان تؤدي دور الصديق الفعلي.

لقد أعلنت الولايات المتحدة الأميركية بعد أحتلالها للعراق وبشكل واضح أنها صاحب مشروع تغييري في الشرق الأوسط عبر ما أسمته بسياسة الفوضى البناءة. ورغم كل هذا الوضوح في غايات وأهداف الأستراتيجية الامريكية في المنطقة، يجد القادة الأكراد أنفسهم أمام أتجاهين سياسيين متباعدين للتعامل معها. أحدهما وهو الغالب ما زال يرى أن التحالف مع الولايات المتحدة قدر لا خيار فيه رغم القلق من الأدارة الأمريكية الجديدة، والثاني أن علينا التعامل مع نفوذ وهيمنة الدول الأقليمية من منطلق انه ليس لدى الأكراد القدرة على مواجهة تركيا وأيران وهذا ما أكده اياد علاوي في لقاء له مع العربية بالأمس.

هذا الواقع يجعل البعض يتساءل هل من الصحيح بأن قادة الأكراد لا يمتلكون ازاء الهيمنة الأمريكية سوى خيار الألتحاق بواشنطن والعمل وفق اجندتها؟
واذا كان خيار الألتحاق غير مقتصر على القادة الاكراد فلماذا لم يلتحق المالكي بالموقف الامريكي من الأزمة في سوريا وفي ملفات كثيرة؟

ولانقصد أن على القادة الاكراد تبني رؤية اقليمية ودولية جديدة تتبع سياسة المواجهة مع الولايات المتحدة الامريكية في العراق او في المنطقة لأن هذا غير واقعي ولكن مع فشل بعض سياستها الأستراتيجية في العراق وخروج قواتها من العراق ونشوء فراغ يصعب على واشنطن أن تملأه يمكن لأقليم كردستان أن تستفيد من المستجدات و المتغيرات لتوسيع هامش أختيارتها الأقليمية والدولية وتبني رؤية سياسية عراقية موحدة.

وعلى القادة الأكراد أن يدركوا أنه في أي نقطة زمنية ستكون عملية أستنهاض الوضع الكردي من وضعه هو خلاصة مسار مدرك وموجه ومستمر، بتعاظم اعادة بناء الداخل سياسيا وأجتماعيا وتحقيق التنمية الحقيقية. وأفساح المجال بشكل أوسع أمام المشاركة السياسية وصنع القرار، والسير بعملية الأصلاح السياسي كحاجة داخلية ملحة تفرضها عملية تطوير المجتمع وتحديثه.

في الأخير نقول أن الرهان الكردي على واشنطن رهان خاسر وتفتقر الى بعض الأبعاد الأستراتيجية وأن الأوان لأن تدرك أربيل أن العمل الكردي المنفرد أو الالتحاق بمعسكر الخصوم، لن يجدي في حماية أمن أقليم كردستان وسيؤدي الى زيادة حدة التدخلات الأطراف الخارجية في صميم أمورنا. وخاصة بعد لجوء نائب الرئيس العراقي المتهم الهاشمي الى الرئيس البرزاني طلبا للحماية لان هذه الخطوة تتعارض تماما مع مصالح أربيل.

فعندما تعرضت مصالح دمشق للخطر طلب الاسد الأب من أوجلان المغادرة.وهكذا تصرف صدام حسين عندما حاول تجنب المواجهة مع اسرائيل والولايات المتحدة عندما قام بتصفية أبو نضال الفلسطيني.

طارق الهاشمي نعرفه جميعا ضابطا في الجيش العراقي في زمن صدام حسين أكثر الشخصيات التي وقفت ضد الكرد و عارضت أن تكون منصب رئيس الجمهورية للطالباني وحاول أغتيال رئيس الوزراء أو اغتيال النجيفي ليبقى هو زعيما للسنة وربما لكلاهما فلم تكشف كل خيوط العملية الى الان، بينما المالكي كان معارضا لصدام حسين وحزب الدعوة العريق الذي يترأسه داعم وحليف استراتيجي للكرد.

ان اعادة الاعتبار والحياة للعمل الجماعي العراقي الموحد هو وحده الكفيل بتحجيم الوصايات الأجنبية، والضامن الحقيقي لبقاء الدولة العراقية الأتحادية وسلامتها الاقيلمية.
فالمطلوب من أربيل أن لاتعول على رجل بات حصانا خاسرا خاصة بعدما عاد المالكي من واشنطن بدعم كبير له كأقوى رجل مثل البرزاني.

[email protected]