مرة أخرى يقف العراق عند منعطف طرق خطير وهذه المرة بين خيارين إما تطبيق العدالة وإحترام سلطة القضاء لإنصاف أهالي الشهداء والذين يتساقطون كل يوم بالكواتم وغيرها من أسلحة الغدر والإقتصاص من المجرمين دون النظر الى درجتهم الوظيفية أو مركزهم الإجتماعي فلا فرق هنا في تطبيق العدالة على الوزير أو الفقير ولنا في دول العالم دروس وعِبَر وتجارب كثيرة،وإما السكوت المُذل والقبول بالتوافقات السياسية، والمساومة على الدماء، والرضوخ لمحاولات الضغط والإبتزاز وفي هذا تجاوز ليس على حقوق ذوي الشهداء والضحايا فحسب بل هو تجاوز على القانون والقضاء والسيد المالكي مطالب بصفته الممثل الأول للسلطة التنفيذية بتطبيق سلطة القانون والإمتثال لأوامر القضاء وفرض هيبة الدولة وهذا ما فعله.

وما إن وصلت الأمور الى هذه الدرجة من المكاشفة في فتح الملفات وتناولها عبر وسائل الإعلام، إذن فلا مجال للحل بالطرق التقليدية المعروفة بعد الآن، إلا أن يمثل السيد الهاشمي أمام القضاء العراقي في بغداد وليس في أية منطقة أخرى ليدحض ما قُدِم ضِدهُ من أدلة وشهود فإذا أثبت برائته فسوف يتصاعد ويتعزز رصيده الشعبي وسوف يلقى كل الإحترام من كافة فئات الشعب العراقي، أما إذا ثبت تورطه في ما نُسِب اليه من إتهامات فالقضاء العراقي المستقل سوف يأخذ دوره دون أي تدخل من اية جهة كانت لتسييسه أو لممارسة الضغوطات عليه.

فالسيد طارق الهاشمي وغيره ليس أكبر من القضاء مهما بلغ وزنه السياسي أو ثقله الإجتماعي، وكان من المفروض بالقائمة العراقية نوابآ ووزراء أن تبتعد عن إيجاد الذرائع والحجج الواهية ولا تلجأ الى لغة التهديد والصراخ والتصريحات الأعلامية المتشنجة الغير منضبطة لعرقلة عمل القضاء والتشويش عليه وجر البلد الى المجهول، بل كان حريآ بها التأكد ودراسة الموضوع بتأني سيما وأنه موضوع خطير فيه شهود ووثائق وأدلة جرمية وهو يتعلق بإزهاق أرواح وإسالة دماء كثيرة.

ولإصلاح مجمل الأوضاع العراقية المتردية فلا بديل إذن عن حكومة أغلبية سياسية كما هو معمول به في أغلب دول العالم التي تتبنى النظام البرلماني الديمقراطي لتصويب العملية السياسية ووضعها على الطريق الصحيح وإزالة بعض المفردات والمصطلحات التي لوثتها مثل المحاصصة، والشراكة،والديمقراطية التوافقية التي أسَسَت لدولة هزيلة مكبلة أثرت على النسيج الوطني العراقي وزرعت نوع من عدم الثقة بين مختلف مكونات الشعب العراقي، لذلك فالمرحلة المقبلة تتطلب العمل على بناء دولة ديمقراطية حقيقية تحترم مواطنيها وتساوي بينهم فلا يمكن أن يطبق القانون على الذي لا حول له ولا قوة وَيُغض الطرف على من في سدة المسؤولية وهنا يحضرنا حديث رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم ( أيها الناس إنما أهلك من كان قبلكم إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ).

في خضم كل تلك الأوضاع المتوترة يستغرب الكثيرين من هذا الموقف الضبابي الغير واضح البتة من كتلة التحالف الكردستاني في مثل هكذا قضية جنائية حيث عودتنا هذه الكتلة على مسك العصى من المنتصف في كثير من المواقف والقضايا السياسية ليس شهامة أو رغبة في الحياد لكن لهدف ديمومة عدم الأستقرار وبقاء الأوضاع السياسية والأمنية متشنجة خدمة لأهدافهم السيتراتيجية البعيدة المدى والمتمثلة في قضم أجزاء شاسعة من أرض العراق وضمها الى إقليمهم المزعوم الذي يتحضر بين لحظة وأخرى وبالتوقيت المناسب لإعلان الإنفصال، إن لجوء السيد الهاشمي الى منطقة كردستان العراق والإحتماء بها بدل مواجهة الأمر لإثبات البرائة هو خطأ سيتراتيجي فادح سوف يتحمله الهاشمي وكل المحافظات التي صوتت له لأنه وبكل بساطة سوف لا يستطيع مستقبلآ أن يقف بوجه التمدد الكردي خارج حدود الأقليم أو يعارضه كما كان يفعل وإلا سوف يصبح ناكرآ للجميل الذي حمله له الأكراد وكبلوه به بكل حرفية ودهاء.


[email protected]