الدكتاتورية عندما تصل الى حد تجنيد سواق سيارات التاكسي مخبرين للنظام، كما حصل مع نظام صدام حسين، وحصل بعده مع معمر القذافي، ويحصل اليوم مع بشار الأسد، عندها ليس لها إلا الحلف الأطلسي أو التحالف الدولي بقيادة أمريكا أعظم قوة عسكرية بالعالم اليوم.

العراقيون عارضوا نظام البعث بعد ثلاثة عشر يوما من نجاح إنقلابهم العسكري على حكم الرئيس عبدالرحمن عارف في 17 تموز عام 1968 ولكن هذا النظام البعثي الدموي المرفوض شعبيا إستمر في الحكم لخمس وثلاثين سنة جرع خلالها العراقيين مر العذاب والهوان، فأدخلهم في أتون ثلاثة حروب كارثية أتت على الأخضر واليابس، وقتل منهم مليونين، وشرد أربعة ملايين، ثم سقط بأول ضربة بالصواريخ على بغداد، فلم تستطع كل تلك الترسانة الحربية الهائلة للنظام، ولا حرسه الجمهوري ولا جيشه العرمرم من الصمود لأكثر من اسبوعين، حتى تداعت اركان النظام.

وفي ليبيا ناضل الشعب لعدة أشهر فلم يتمكنوا من هز شعرة من رأس القذافي المجنون رغم إختبائه كالفاأر المذعور، ولكن بضربة واحدة من طائرات الأطلسي خرج من مجاري الصرف الصحي ذليلا مهانا ليواجه مصيره المحتوم.
صحيح أن العراقيين دفعوا ثمنا باهضا لتحريرهم من النظام الدكتاتوري، ولكن دعونا لا نقيس الأمور بظواهرها، ولندقق في أسباب ومسببات وقوع كل هؤلاء الضحايا ما بعد سقوط النظام.
فلو لم تحشد الدول العربية المعادية للديمقراطية وبخاصة الدول الإقليمية كل قواها لضرب التجربة الديمقراطية الوليدة في العراق، وهي أولى التجارب على مستوى المنطقة، من خلال إستقدام آلاف الإنتحاريين من شتى البلدان العربية لإرسالهم الى العراق لقتل الشعب العراقي، لما سالت أنهار الدم في العراق.
ولولا تدخلات دول الإقليم ومحاولاتها لإفشال التجربة الديمقراطية من خلال دعم الميليشيات المحلية وتأجيج العنف الطائفي بين السنة والشيعة، لما وقع عشر معشار ضحايا العنف الطائفي في العراق الجديد.
ولدينا دليل ملموس بهذا الصدد، فخلال السنوات الثماني من الوجود الأمريكي في العراق لم يقتل جندي أمريكي واحد في مناطق إقليم كردستان الذي إستطاع أن يحمي أمنه وإستقراره بالإعتماد على نفسه. ولو ترك العراقيون لحالهم، وأتيحت لهم فرص إدارة شؤونهم وإعمار بلدهم وتدعيم أمنه وإستقراره مثلما أتيح لإقليم كردستان لما وقع كل هذا العدد من القتلى العراقيين ومن الجيش الأمريكي،ـولكان ذلك سيسرع بالطبع من مغادرة القوات الأمريكية قبل سنوات من إنسحابه النهائي الآن.

ولمن يريد أن يفهم عليه أن ينظر الى عدد الضحايا العراقيين الذين سقطوا بهجمات الإرهابيين ويقيسونها بعدد الجنود الأمريكان الذين قتلوا، ليتأكد تماما من أن إرتفاع عدد القتلى العراقيين لم يكن بسبب أو بنيران الأمريكان، بل بنيران ومتفجرات الإرهابيين العرب، وبسبب دعم الدول العربية المعادية للديمقراطية لتلك المجاميع الإرهابية.

الدكتاتوريات لا تسقفط بالتمنيات بل وحتى بالدعاء الى الله وإقام الصلاة، فلو كان ذلك ممكنا لما لجأ صاحب الدعوة الى التكيتكات الحرب لمواجهة الكفار الذين حاربوا الله، ولو كان الأمر يتم بالتمنيات لما أخذ بمشورة سلمان الفارسي الذي يعتبر في العرف الحالي أجنبيا عند العرب.

الثورة السورية ليس أمامها سوى طلب التدخل الخارجي، فها هو الرئيس بشار الأسد قد وضع كل ما بجعبته بسلة المواجهة الدموية مع شعبه، وهو عندما يتنصل من مسؤولياته الرسمية والقانونية كرئيس للبلد ، وللمفارقة هو القائد العالم للقوات المسلحة، هذا يعني أنه ترك الأمر لقادة جيشه وأجهزته الأمنية لمواجهة الحرب ضد شعبه، وكما قيل لا يفل الحديد إلا الحديد، فإن مصير هذه الثورة لا يحسم مطلقا بالمواجهات اليومية الحالية والصدور العارية أمام آلة القتل القمعية للنظام.

على السوريين أن يهيئوا مستلزمات تحرير إحدى مدنهم ولتكن حمص الصامدة، مثلما حصل في بنغازي الليبية وينطلقوا منها بدعم عسكري دولي لتحرير كامل تراب وطنهم من الدكتاتور وأعوانه القتلة والفاسدين، وإلا فإن المواجهة الحالية وبصدور عارية لا تجدي نفعا، خصوصا وأن عدد القتلى في تصاعد وسيستمر، ولا داعي للمعارضة السورية التي تحظى اليوم بدعم دولي كبير من أن تخجل من دعوة دول العالم الى مساعدتها لإسقاط هذا النظام الدموي الغاشم.