هناك فرق شاسع بين مصطلح الدولة ومصطلح الثورة، فالدولة هي نظام سياسي تسيطر عليه حكومة بشكل من الأشكال، وهي التي تحتكر حق تطبيق القانون وأستخدام القوة. ويتكون ذلك النظام السياسي من مؤسسات تحكمها قوانين لها قيمها وثقافتها ومعايرها التي ورثتها جيل بعد جيل. فالدولة تعبر عن حالة من حالات الثبات والنظام في مجتمع مستقر لتمشية شؤونه اليومية. فيمكن للحكومات أن تتبدل أما الدول فتبقى ثابتة. أما الثورة فهي حالة من حالات الحركة أو التغير المفاجئ التي يتم فيها قلب النظام السياسي من قبل الشعب وتحول السلطة في فترة قصيرة. فالثورة حالة طارئة والدولة حالة دائمة، فيمكن للثورة أن تؤسس للدولة وليس العكس.

لقد أنقسم التراث الإسلامي حول شرعية الثورة وشرعية الدولة، فالتراث الإسلامي السني أعطى الشرعية للدولة وحرم منطق الثورة بإعتبارها تقود للفوضى، حيث تجد الأحاديث الكثيرة التي تؤكد وتحرم الخروج على الظالم مهما طغى وتجبر إذ يجب الصبر على الظالم حتى يفتح الله بابا ً للنجاة. وعلى مدى قرون طويلة كانت المؤسسة الدينية السنية في صف الحاكم تدعمه بمواقفها وفتاواها والحاكم بدوره يدعمها بالمال ويحميها ممن يخرج بخطاب جديد خارج اطار المؤسسة الدينية. أما التراث الإسلامي الشيعي فقد أجل موضوع الدولة حتى خروج الإمام المهدي إلى فترة زمنية قريبة. فقد ركز الفكر الشيعي على منطق الثورة الذي أستند على شرعية ثورة الإمام الحسين في كربلاء في القرن الهجري الأول. فقد ضل الشيعة على مدى قرون يعيشون كمعارضين سياسيين لدول مختلفة في العالم الإسلامي يقيمون الثورات فيستثمرها غيرهم من أصحاب منطق الدولة. لكن، هذا لايعني على الدوام بأن السنة لايثورون وأن الشيعة لايؤسسون الدول، فهناك بالتأكيد إستثنائات، كثورة بني العباس على بني أمية، أو إنشاء الدولة الفاطمية من قبل الشيعة في مصر. فالإسلام السياسي السني يستعير منطق الثورة من الإسلام الشيعي في حالات كثيرة، وكذلك الشيعي يستعير منطق الدولة فيصير بنفس الموقف.

أما اليوم، وبالرغم من أن الربيع العربي يرفع شعار الحرية والديمقراطية والمساواة، والتي تنسجم مع مفاهيم وشعارات الثورة الفرنسية وشرعية الثورة لكارل ماركس، فأن ذلك الربيع العربي ليس بعيدا ً أيضا ً عن شعارات ثورة الإمام الحسين في الإصلاح...إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي...ومبدأ الحرية...كونوا أحرارا ً في دنياكم. فمن جديد، يفرض منطق الثورة شرعيته بإعتباره الحل الوحيد للنهوض من جديد والدخول في عالم الحداثة بعد أن دخل العالم العربي غيبوبة على مدى عقود طويلة. لقد وقف أصحاب منطق الدولة مشككين بدوافع الثوار ونواياهم حيث لم يعطوا لتلك الثورة شرعية دينية بإعتبارها خروج على الحاكم. هم أولئك نفسهم المشككين بخروج الإمام الحسين على الحاكم من أجل رفع الظلم والحيف الذي وقع على فقراء المسلمين. وعلى هذا الأساس، يمكن القول بأن منطق الثورة هو حالة طبيعية لإعادة الأمور لنصابها وترتيبها بإعادة تقسيم الثروة والسلطة بشكل لايظلم أحد.

من هذا المنطلق، هل من حقنا أن نعيد النظر بمفاهيم سياسية وإجتماعية تعودنا عليها، كعدم الخروج على الظالم، من أجل تصحيح المسار الإجتماعي وليس السياسي فحسب؟ من المفاهيم التي يجب إعادة النظر فيها هي مايتعارض في جوهره مع مفاهيم الحرية والديمقراطية والمساواة كالحكم بإسم الله من مبدأ الحاكمية لله أو أن الرجل يجب أن يتقدم على المرأة في كل الميادين بإعتبارها ناقصة دين وعقل. لقد حرم الإسلاميون الخروج على الظالم بإعتباره حرام شرعا ً، إلا أنهم في السياسة براغماتيون إذ يركبون موجة الثوار وهاهم يحصدون أصوات الناخبين في دول كمصر وتونس. ومنهم من خرج فعلا ً في الثورة إذ يرفعون شعارات لايؤمنون بها كالديمقراطية وغيرها، فهم كبني لعباس الذين رفعوا شعار...يالثارات الحسين...ولما سقطت الدولة الأموية أدار العباسيون ظهورهم لأبناء الحسين بل لاحقوهم وقتلوهم في كل مكان. فهل سيعيد الإسلاميون منطق الدولة على الطريقة التقليدية من خلال صناديق الإقتراع فلما يستأثروا يبدأ الإقصاء السياسي الذي سيبدأ بالليبراليين ولا ينتهي عند الإسلاميين المعتدلين.

رب سائل يسئل: لماذا هذا الخوف من الإسلاميين ولما هذا التشاؤم أصلا ً؟ أن مايدعو إلى التشاؤم هو أن الإسلاميين سيسيرون بدرب الإقصاء حتما ً إذا ما وصلوا لسدة الحكم إذ لايوجد هناك طريق آخر لهم من خلال التجارب السابقة في إيران والسودان وافغانستان والسبب هو أن هناك قضيتان إشكاليتان لم يتم حلهما إلى الآن على المستوى الفكري. الأولى هي أن النظام الديمقراطي، بشكله الحالي، سيصطدم بفكرة حاكمية الله عند الإسلاميين إذ لايملك الإسلاميون ولم يطوروا إلى اللآن نظرية تجعل من الناس مصدرا ً للسلطة. فحتى نظرية الشورى فهي تعتمد على النخبة في جوهرها وليس الجماهير العريضة. أما الإشكالية الثانية هي فخ الإسلام السياسي الذي تحول إلى أيدلوجيا في حين أن الأيدلوجيا تموت في أماكن أخرى من العالم، فالأيدلزجية تستخدم الإقصاء كأحد أدواتها إذ تصطدم بمدأ التعددية في المجتمع.

عماد رسن
[email protected]