قبل إستكمال و إعلان التشكيلة الحكومية الجديدة في المغرب و التي يديرها حزب العدالة و التنمية الإسلامي المعتدل الفائز الأول في إنتخابات 25 نوفمبر الأخيرة، برزت سلسلة من الإستفزازات خصوصا في ظل الجدل الشعبي الدائر بين الأوساط المغربية المثقفة حول الموقف من الحريات العامة بإعتبار إن فوز الحزب الإسلامي و تصديه لقيادة العملية السياسية في المغرب هو تطور غير مسبوق وحالة جديدة بالمرة في ذلك البلد ذو التشكيلة و الطبيعة الخاصة و المتميزة معرفيا، و أنثرو بولوجيا، وتاريخا أيضا، فالمغرب و منذ الإستقلال عام 1956 ورغم هويته الإسلامية الجامعة المانعة المعروفة لم يحكم من قبل أي حزب ديني بل تناوبت على السلطة وفي ظل ظروف سياسية و إجتماعية و إقتصادية مختلفة أحزاب تراوحت مساحاتها الآيديولوجية بين اليمين و الوسط و اليسار دون الإلتزام بهوية دينية محددة و منظمة للعمل السياسي، فما حصل في المغرب يمثل قمة التطور السياسي المتدرج وخيار شعبي جديد يتناسب و صعود تيار الإسلام السياسي في العالم الإسلامي و العربي تحديدا رغم أن ذلك التيار لايسير على إيقاعات واحدة أو منهج واحد بل يتفرع لأشكال وصيغ تمتد من التطرف الحاد للبراغماتية الواضحة، ورغم أن العدالة و التنمية في مستهل خطاب النصر قد أكد على موقفه المعتدل من قضايا الحريات العامة وعلى أسلوبه التصالحي و المنفتح في التعامل مع المسائل الخلافية إستنادا للواقع الميداني المعاش و ليس تشبثا بنظريات و أطر جامدة إلا أن خشية العديد من الأوساط السياسية و الفنية من تعميم الأصولية و زيادة حدة التوجهات الدينية وقضايا الحلال و الحرام قد طرحت نفسها بحدة لتبرز بعض المعوقات في ظل صراع كبير حول تفسيرات دستورية، الأنظار تتجه اليوم لمتابعة التشكيلة الحكومية القادمة في ضوء الرسائل التطمينية و التصالحية التي أرسلها رئيس الحكومة المنتخب عبد الإله بنكيران لجماعة العدل و الإحسان الأصولية المتشددة و لشباب حركة العشرين من فبراير الذين أعلن أحد قادتهم وهو نجيب شوقي عن إمكانية بدء فتح حوار مع بكيران شريطة الإلتزام بشروط حددتها الحركة بإطلاق سراح جميع المعتقلين، وضمان حرية حقيقية للصحافة، وهو الأمر الذي يؤمن به بنكيران أيضا الذي تساءل بعد فوزه الكبير عن أسباب إعتقال الصحفي المغربي المعروف في صحيفة المساء ( رشيد نيني ) وتحدث عن إمكانية تقديم ملتمس للملك محمد السادس بالعفو عنه وهو الأمر الذي لم يتم حتى اللحظة؟ قضايا و ملفات متشابكة عديدة و صعبة تواجه السيد بنكيران ورفاقه، ولكن أطرف التحديات التي ركز عليها الإعلام المغربي هو ماحصل في إفتتاح مهرجان مراكش السينمائي الدولي في 3 ديسمبر حينما أقدمت الممثلة المغربية لطيفة أحرار على إبراز ساقيها و إظهار فخذيها للمصورين في إشارة فسرها البعض بأنها رسالة تحدي للحكومة الملتحية القادمة!! لأنه سبق لنفس الممثلة وفي مسرح مراكش أيضا أن أقدمت قبل شهور على تقديم عرض مسرحي فردي تعرت فيه من ملابسها الخارجية و بقت في ملابسها الداخلية فقط مما أثار إستهجان العديد من الأوساط وقد علق بنكيران شخصيا على ذلك التصرف في برنامج نلفزيوني بأن دعا لها بالهداية!! وفي الواقع فإن ( فخذ ) لطيفة في ظل الصعوبات و المعوقات التي تواجه مستقبل العمل السياسي في المغرب هو آخر شيء يمكن أن يقلق بال حزب العدالة و التنمية، فالحزب قد طرح خطة تصالحية مع جميع الأطراف وهو يهدف لتحقيق ثورة إنتقالية ناعمة في المغرب تجنب ذلك البلد أية هزات أو خضات غير معلومة النتائج، و المراهنة على نجاح أهل العدل و التنمية هي قضية ستراتيجية ومطلب ملح لا يتحمل الخطأ أو الفشل لأن نتائج ذلك ستكون مكلفة للغاية سياسيا و إجتماعيا، حتى الآن لم تتبلور بشكل واضح معالم الحكومة القادمة و لا آلية عملها رغم إتفاق حزب التقدم و الإشتراكية ( الشيوعي ) على المشاركة و كذلك الحركة الشعبية ( الأمازيغ ) و تحول الإتحاد الإشتراكي نحو المعارضة البرلمانية، فالحكومة تبعا لموازين القوى القائمة لن تكون إسلامية أو دينية صرفة بل ستطعم بعناصر مختلفة تمثل الشرائح المغربية، وكتم الحريات أو التعدي على الحريات الفردية وفرض القوانين الدينية المشددة ليست أبدا في ذهن بكيران ورفاقه الذين يعلمون علم اليقين بأن مايواجههم من إختبار صعب يمثل تحديا غير مسبوق في ظل عدم الخبرة الحكومية و الإدارية السابقة لإدارة ملفات بلد معقد كالمغرب الذي يخوض ثورته التغييرية الهادئة بوسائل مغربية محضة تتميز بالحكمة و التبصر بالأمور و تجنب الفوضى، ماهو واضح و يقيني بأن المغرب رغم كل الرؤى الفكرية المتباينة سيظل هو المغرب المتعدد الثقافات و المتسامح و الطامح للتغيير بشكل سلمي بعيدا عن التعسف في الأحكام و الرؤى و القناعات، وفرصة بنكيران ورفاقه في النجاح كبيرة للغاية رغم المعوقات و القلاع الصعبة التي تواجههم، إنها معركة الأفكار و النوايا وليس الأفخاذ، وستبقى الحرية الملتزمة و المسؤولة هي السائدة في مغرب ينتقل في خطوات تطورية هادئة نحو مرحلة جديدة في تاريخه دون أن يتجاهل محيطه العربي و الإسلامي الذي يغلي بعواصف التغيير، على حكمة المغاربة و تمسكهم بثوابتهم التاريخية ستتحقق رغبة التغيير و بأقل خسائر ممكنة...
[email protected]