قبل استعراض الموقف التركي من الثورة السورية قد يكون من المناسب الإشارة بشكل سريع لبعض تاريخية العلاقات الثنائية فمنذ ضم تركيا إقليم الاسكندرونة (هتاي ) عام 1939م للأراضي التركية والعلاقات التركية السورية ليست ودية وخاصة بعد تصويت أممي طالما شككت فيه سوريا حيث كانت وقتها تحت الانتداب الفرنسي ، وتراوحت العلاقات التركية السورية بين الجفاء والبرود والعداء وخاصة بعد استضافه الرئيس الراحل حافظ الأسد لزعيم حزب العمال الكردستاني (عبدالله أوجلان) وفتح معسكرات البقاع اللبناني والخاضع للسيطرة السورية لاوجلان لأقامه معسكرات لتدريب الأكراد القادمين من أصقاع المعمورة وتجهيزهم قبل إرسالهم لمحاربه الجيش التركي وهو الذي كلف تركيا ما يزيد عن 30 إلف من الجيش والمواطنين الأتراك والأكراد ، ومع زيادة هجمات حزب العمال الكردستاني قررت تركيا اتخاذ موقف حازم في صيف 1998م وهددت جديا بضرب سوريا والتوغل في الأراضي السورية مما اجبر الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد -وبعد وساطة مكوكية قام بها الرئيس المصري السابق حسني مبارك - على التوقيع على اتفاقية (أضنه ) في أكتوبر 1998م والتي تعهدت فيها سوريا بعدم المطالبة بإقليم (هاتاي ) والسماح للجيش التركي بتعقب الإرهابيين القادمين من الاراضى السورية لمسافة 15 كيلومتر وطرد الزعيم الكردي (عبدالله أوجلان) من أرضيها لتقبض عليه تركيا في فبراير 1999م.وأثرا ملفي المياه والعلاقات العسكرية التركية الإسرائيلية سلبا على العلاقات الثنائية، وبدأ نوع من التقارب الحذر بعد قيام الرئيس التركي (احمد نجدت سيزار) بزيارة دمشق للمشاركة في جنازة الرئيس السوري حافظ الأسد في يونيو 2000م.

وفي يونيو 2002م قام المسئول عن ملف العلاقات السورية التركية ورئيس الأركان السوري بزيارة لأنقرة العماد (حسن تركماني ) ليوقع اتفاق امني والإعلان عن خطط للقيام بمناورات مشتركة بين الجيشين السوري والتركي ،واستمرت العلاقات الثنائية تتحسن تدريجيا حتى فوز حزب العدالة والتنمية في انتخابات نوفمبر 2002م ، حيث دخلت العلاقات مرحله تاريخية جديدة وخاصة ان حزب العدالة والتنمية افتتح البرلمان في 1 مارس 2003م برفض استخدام الأراضي التركية كمنطلق للهجمات البرية الأمريكية لاحتلال العراق ، وقد رحبت سوريا بشكل واضح بهذا الموقف وأعربت عن امتنانها وغبطتها بما قامت به تركيا تجاه رفض التعاون لاحتلال بلد عربي من قبل القوات أمريكية.

ومثلت زيارة الرئيس بشار الأسد لتركيا في يناير 2004م أهمية تاريخية باعتبارها أول زيارة لرئيس سوري لتركيا واتفق البلدين على التركيز على تنمية عوامل الاتفاق وأعلن البلدان تطابق وجهات نظرهما تجاه عدم المساس بوحدة الأراضي العراقية ، والبدء بمفاوضات أقامه منطقة تجارة حرة والتي دخلت حيز التنفيذ فعليا في مارس 2007م وانتهت بإنشاء (مجلس التعاون الاستراتيجي ) وإلغاء التأشيرات بين البلدين في سبتمبر 2009م..

وبعد قيام المظاهرات في المدن السورية التزمت تركيا الصمت مؤقتا وكان اقوي المواقف عبر بيان وزارة الخارجية التركية رقم (111) في 22 ابريل 2011م والتي أعلنت فيه تركيا عن بالغ قلقها بسبب الأحداث التي وقعت وكان ضحيتها الأبرياء العزل مطالبه ان يتم التحرك بحكمة وتأن في هذه المرحلة الحرجة وعدم استخدام القوة الغير متوازنة والتحرك بخطوات سليمة إزاء التظاهرات السلمية، ومع استمرار القتل والعنف ضد الأبرياء واستمرار انهار الدم التي سفكها النظام السوري بدم بارد وفرار عشرات ألاف من اللاجئين الى داخل الأراضي التركية هربا من القتل والاباده اضطرت تركيا الى اتخاذ قرار حاسم تجاه النظام السوري والتلميح بتحويل علاقاتها مع سوريا من تحالف استراتجيي الى حد تهديد النظام السوري باتخاذ إجراءات لا يمكن التبوء بها والبدء بحشد التأييد الإقليمي والدولي ضد سوريا ، ومحاوله التنسيق بين إطراف المعارضة السورية وبسبب وجود جالية سورية كبيرة ومعظمها من أنصار حركة الإخوان المسلمين والذين هربوا من سوريا بعد مذبحه ( حماه) عام 1982م ولذا لم يكن غريبا استضافه لتركيا اكبر ومنها:

1.مؤتمر للمعارضة السورية في الخارج في مدينة انطاليا في نهاية شهر مايو 2011م حضره أكثر من 300 شخصية معارضة

2.استضافه مؤتمر أخر في اسطنبول في منتصف يوليو 2011م

3.إعلان تشكيل المجلس الوطني السوري لتنسيق جهود إسقاط النظام السوري في 14 سبتمبر 2011م

4.استضافه عشرات الاجتماعات خلال شهري أكتوبر ونوفمبر للمجلس الوطني السوري وإعطاء أعضائه حرية التحرك السياسي والإعلامي داخل تركيا.

ويضيف:ويمكن القول ان وجود أكثر من 850 كيلو متر من الحدود مع سوريا ووجود أقلية كردية في سوريا (10%) يجعل تركيا تنظر للوضع في سوريا بنظره مختلفة تماما عما حدث في تونس ومصر مثلا باعتبار ان الوضع السوري يؤثر تأثيرا مباشرا على الأمن القومي التركي..


أهمية التعاون السعودي التركي تجاه الاحداث في سوريا

منذ نجاح حزب العدالة والتنمية في انتخابات نوفمبر 2002م والوصول للحكم دخلت العلاقات السعودية التركية مرحله إستراتيجية وتم دفع العلاقات إلى عهد جديد خاصة مع استمرار الحرب الأمريكية في أفغانستان والاحتلال الأمريكي للعراق وما صاحبه من تهديدات مباشره لأمن المملكة العربية السعودية وتركيا عبر تزايد النفوذ الإيراني في العراق على حساب السعودية وتركيا وخطورة البرنامج النووي الإيراني على البلدين وعلى الجانب المحلي السعودي مثل وصول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله للحكم في أغسطس 2005 فرصة إضافية لتحسين العلاقات الثنائية بسبب شخصية الكاريزما وتطلعه لصف الصفوف والعمل لتحقيق والدفاع عن مصالح الأمة وخاصة الفلسطينية حيث عبرت مبادرة السلام العربية عن إرادة مخلصة وجادة نحو تحقيق السلام العادل والدائم والشامل لأزمة الشرق الأوسط على أسس الشرعية الدولية وتطابقت دعوة الملك عبدالله إلى الحوار بين الأديان من وجه النظر التركية بهذا الشأن ما مثلت زيارة الملك عبدالله لتركيا خلال شهر أغسطس 2006م نقلة إستراتيجية في تاريخ العلاقات..

وتمثل سوريا أهمية إستراتيجية للسعودية ولتركيا أيضا حيث تمثل مصدر قلق للأتراك بسبب عصابات تهريب السلاح والمخدرات وغسيل الأموال والعناصر الإرهابية ومن خلال دراسة فرص التعاون الثنائي بين السعودية وتركيا نجد التالي :

(أ) هناك فرص كبيرة للتعاون السعودي التركي فيما يتعلق بالملف السوري خاصة من حيث رفع وتيرة التنسيق للضغط على النظام السوري لوقف إراقة مزيد من الدماء عبر وقف فوري لإطلاق النار على المتظاهرين وإطلاق سراح الموقوفين ومن ثم إقناع النظام السوري لإجراء عمليه إصلاحات واقعية وسريعة وجادة للاستجابة للمطالب الشعبية.

(ب) من المهم التأكيد الأتراك لا يحبذون دفع الأمور في سوريا نحو التصعيد وحدوث حرب أهلية خوفا من تقسيمها بسبب وجود أكثر من أكثر من 5 مليون علوي تركي يقيمون في المناطق الحدودية مع سوريا كما ان هناك خطر لإنشاء كيان كردي ولو صغير في الشمال الغربي لسوريا مما سيعتبر تهديد مباشر وحقيق للأمن القومي التركي.

(ج) ان مثل هذا السيناريو (الحرب الاهليه أو التقسيم ) غير مرغوب فيه لدى قاده البلدين ولكن من جانب أخر في حاله تطور الأوضاع نحو تدويل الأزمة السورية (وهو أمر محتمل الحدوث خلال الأسابيع القادمة) بتدخل دولي تحت غطاء الأمم المتحدة سواء عبر الناتو أو غيره فقد تكون هناك فرصه اكبر للبلدين للتعاون بشأن تغيير النظام السوري.

(د) يلاحظ ان هناك شبه تطابق بين وجهتي النظر السعودية والتركية تجاه النظام السوري وتمثل التنسيق الثنائي عبر زيارة وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل لأنقرة في 17 مارس 2011م ، حيث التقى الرئيس التركي (عبدالله غول) ورئيس الوزراء (رجب طيب اردوغان) وعقد مباحثات مع وزير الخارجية التركي (احمد داود اوغلو ) حيث دعا الأمير سعود الفيصل تركيا للقيام بدور نشط في احتواء التوترات في الدول العربية مقدرا في نفس الوقت الجهود التي تبذلها تركيا في المنطقة ، ثم جاءت زيارة وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو لجده في 10 يوليو 2011م ليتم التباحث حول القضايا الإقليمية سعيا لتنسيق مواقف الدولتين تجاه الاحداث القائمة في المنطقة ، حيث تزامنت كلمة خادم الحرمين الشريفين مع كلمه مشابهه تقريبا للرئيس التركي عبدالله غول حيث ورد في نص خطاب الملك عبدالله بن عبدالعزيز (إن ما يحدث في سوريا لا تقبل به المملكة العربية السعودية ، فالحدث أكبر من أن تبرره الأسباب ، بل يمكن للقيادة السورية تفعيل إصلاحات شاملة سريعة ، فمستقبل سوريا بين خيارين لا ثالث لهما ، إما أن تختار بإرادتها الحكمة ، أو أن تنجرف إلى أعماق الفوضى والضياع لا سمح الله. وتعلم سوريا الشقيقة شعباً وحكومة مواقف المملكة العربية السعودية معها في الماضي ، واليوم تقف المملكة العربية السعودية تجاه مسؤوليتها التاريخية نحو أشقائها ، مطالبة بإيقاف آلة القتل ، وإراقة الدماء ، وتحكيم العقل قبل فوات الأوان. وطرح ، وتفعيل ، إصلاحات لا تغلفها الوعود ، بل يحققها الواقع. ليستشعرها أخوتنا المواطنون في سوريا في حياتهم... كرامةً.. وعزةً.. وكبرياء.

واختتم الملك عبدالله خطابه بإعلان المملكة العربية السعودية استدعاء سفيرها للتشاور حول الأحداث الجارية هناك و كذلك تضمنت رسالة الرئيس التركي عبدالله غول للنظام السوري نفس المفاهيم وحده الموقف ودرجة وضوح الرسالة تجاه النظام واستمر التنسيق السعودي التركي ممثلا بلقاء الرئيس التركي عبدالله غول بخادم الحرمين الشريفين في 15 أغسطس 2011م وبالنائب الثاني لمجلس الوزراء ووزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز ال سعود (ولى العهد الحالي ) إثناء زيارة الرئيس التركي للمملكة لأداء العمرة وحضور اجتماع مجلس الأمناء بمراكز الدراسات الإسلامية بجامعة أكسفورد.

ومع استمرار الصمت الأميركي والدولي تجاه الأوضاع في سوريا وقياده السعودية وعبر دول الخليج الجامعة العربية لاتخاذ قرارات تاريخية وبسبب وضع تركيا الجغرافي وقوتها العسكرية الضاربة ورغبتها في لعب دور تاريخي فأن تنسيقا سعوديا تركيا خاصا قد يعني قدره البلدين على حسم الأمور وتجنيب المنطقة مخاطر التدخل الدولي.

*خبير في العلاقات السعودية التركية