بالرغم من البعد المحلي للاحداث التي جرت في مدن زاخو وسميل وقصروك ومركز محافظة دهوك في كردستان العراق والتي شملت احتراق محلات بيع الخمور وبعض الفنادق والاماكن السياحية وحرق مقرات الاتحاد الاسلامي الكردستاني في منطقة نفوذ حزب البرزاني، ألا ان الاضطرابات التي حصلت في المدن المذكورة في الاقليم الكردي يقرأ منها بعد اقليمي أكثر مما يقرأ منها بعد محلي وصراع حزبي بين حزبين كردستانيين.

ويبدو ان الاتهامات المتبادلة بين الحزبين الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الاسلامي تنم عن قراءة انفعالية لا تتسم ببصيرة سياسية ورؤية عميقة للحدث الحاصل كاضطرابات غير مسبوقة في الواقع الكردي بمثل هذا التوجه المفاجيء للانفلات الأمني والامتداد السريع لشرارة الحدث الى أماكن بعيدة عن مركز الحدث بمئات الكيلومترات، والبيانات الصادرة عن الحزبين نابعة عن قراءة تقليدية من خلال الصاق التهمة الجاهزة وهي اتهام كل حزب بالتآمر على الآخر، بالرغم ان اتهام الحزب الاسلامي للديمقراطي بانفراد الأخير للسلطة والقوة والنفوذ في منطقة حزب البرزاني يتصف ببعض المصداقية حسب المواقف المعلنة للاحزاب المعارضة في الاقليم بهذا الخصوص.

ولكن يبدو ان للاضطرابات الحاصلة قراءة مخفية اقليمية مرتبطة بالحالة الايرانية في المنطقة ومتعلقة بالوضع السياسي المتدهور في سوريا، وحسب قراءة مجهرية للاحداث الجارية في المنطقة بصورة عامة، فان ما حصل في محافظة دهوك يمكن اعتباره صفحة ثانية مكررة لما حصل في مدينة السليمانية منطقة نفوذ الرئيس العراقي جلال الطالباني في شهر شباط الماضي، وتشير بعض القراءات والتحليلات السياسية ان اللاعب الذي وقف وراء تحريك هذه الصفحات كانت دولة مجاورة للاقليم من جهة الشرق بالتنسيق والتعاون مع دولة مجاورة من الغرب، والصفحة الأولى قصدت منها توجيه رسالة الى الحزبين الحاكمين في الاقليم الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني بفحوى بيان دور الدولة المعنية في التأثير على الوضع السياسي والأمني في كردستان لمراعاة دورها ومصالحها في الاقليم وفي العراق بصورة خاصة وفي المنطقة بشكل عام.

والاضطرابات الأخيرة تبدو انها صفحة ثانية لتسلسل الاحداث في الاقليم مع ظهور الربيع العربي، واللاعب نفسه الجيران الشرقي للاقليم ولكن بتنسيق مع جيران جديد مضطرب ومائل للسقوط هو الجيران الغربي، والرسالة المستلمة من الأحداث تحمل مقاصد عديدة سياسية اقليمية، والمؤشرات المقرؤة لاطلاق هذه الرسالة من قبل الدولتين المجاورتين هي ما يلي:

bull;زيارة جون بايدن نائب الرئيس الامريكي الى مسعود البرزاني رئيس كردستان العراق في اربيل وتأكيده ان الاقليم من ضمن اهتمامات الولايات المتحدة.

bull;الضغوط السياسية الدولية الجديدة على الجار الشرقي بسبب برنامجه النووي وخاصة من قبل الاتحاد الاوربي وبريطانيا وأمريكا، وموقف وكالة الطاقة الذرية من طهران.
bull;وصول الشريك الاستراتيجي لايران في دمشق الى حافة السقوط بفعل ثورة الشعب السوري المطالبة باسقاط نظام بشار الأسد.

bull;تهديد رئيس النظام السوري بحرق الشرق الاوسط في حالة انهيار سلطته وادخال المنطقة في صراع طائفي يشمل كل الدول والشعوب، وكأن نظام دمشق قد أعد خططا مسبقة لهذا التهديد باشعال حرب فتنة طائفية كبيرة في منطقة تتسم بتنوع قومي ومذهبي متعدد.

bull;الضغط العربي والتركي المتزايد على بشار ونظامه للقبول بالمبادرة العربية والتوقيع على بروتوكول المراقبين والالتزام بتنفيذه لوقف البطش الدموي العسكري والقتل اليومي للشعب السوري الثائر لنيل الحرية والكرامة.

bull;التوجه السلمي لرئاسة وحكومة الاقليم للتنسيق وتقديم المساعدة السياسية للمجلس الوطني الكردي السوري لتحقيق المطالب الوطنية والقومية المشروعة للشعب الكردي في سوريا.
bull;توجه القيادة الكردية لعقد مؤتمر بمشاركة الاحزاب والتيارات السياسية الكردية في العراق وتركيا وايران وسوريا لطرح رؤية مشتركة باتجاه حل القضية الكردية في الدول المعنية بها بطرق سلمية وأساليب مدنية نابعة من خيار التمسك بالتعايش المشترك.

من خلال التمعن في هذه المؤشرات يمكن لنا قراءة المقاصد العديدة للرسالة المرسلة من قبل الدولتين من خلال الاضطرابات التي حصلت في دهوك، وتشير بعض القراءات انها حصلت بفعل أيادي وخلايا مرزوعة تابعة لاجهزتهما المخابراتية والاستخباراتية في العراق وكردستان لخلق الاضطرابات وزعزعة الاستقرار الأمني، ومقاصد النظامين المجاورين للاقليم من هذه الرسالة هي:

bull;اخبار دول المنطقة والمجتمع الدولي بقدرة الدولتين على سرعة تحريك الخلايا النائمة التابعة لهما في كل مناطق ودول الشرق الاوسطية لخلق الاضطرابات الطائفية والمزروعة بخفاء وذكاء والمبرمجة حسب التوقيت المناسب لخلق الحدث المطلوب حسب التخطيط المرسوم من قبلهما.

bull;تقديم نموذج مصغر للفتنة الطائفية للمنطقة وتركيا والعالم العربي والمجتمع الدولي لما قد يقدم عليهما النظامين في دمشق وطهران في حالة تعرض الاول الى تدخل دولي لحماية المدنيين السوريين وفي حالة تعرض البرنامج النووي الايران الى ضربة عسكرية.

bull;بيان سرعة سيطرة التيارات الاسلامية على الشارع في حالة تحريكها وفق معطيات اقليمية ودوافع سياسية مقصودة.

bull;التأكيد على الحكومة العراقية وتذكيرها بعدم الانقلاب على النفوذ الايراني في بغداد وعلى الموقف المؤيد والداعم لنظام بشار الاسد.

bull;تذكير السلطة السياسية في كردستان العراق بمراعاة مصالح الدولتين في الاقليم.

bull;تنبيه تركيا المجاورة للاقليم وللدولتين بسرعة الانفلات الأمني في شؤونها الداخلية اذا تقدمت نحو الامام في موقفها المؤيد للثورة السورية والمضاد للنظام في دمشق.

مع بيان هذه الرؤية المتواضعة للاحداث التي رافقت الوضع السياسي في اقليم كردستان في الايام الاخيرة، ومع استمرار ربيع الثورات العربية في سوريا واليمن، يمكننا القول أن الربيع ما زال بعيدا عن ايران وعن الاقليم والعراق، ولكن في كل الاحوال لا يمكن ابعاد شرارة الربيع عن طهران واربيل وبغداد، وهذا الربيع في ايران يختلف تقديره عن باقي الثورات العربية لان مطلب تغيير النظام الايراني سيكون مرتبطا بتغيير شامل لاعادة الخارطة السياسية والاقتصادية والمعيشية والاجتماعية لهذا البلد المتسيد في المنطقة.

وفي كل الأحوال، فان ما جرى من احتجاجات في اقليم كردستان في بعض مدنها لابد ان تحرك الاحزاب المعارضة وحزبي السلطة والبرلمان والحكومة ورئاسة الاقليم للتحوط من السيناريوهات المرسومة في المنطقة، وفي الوقت نفسه لابد ان تلزم البرزاني والطالباني على الاسراع للقيام باصلاح فوري لايجاد معالجات جذرية للازمات التي يعاني منها الإقليم وعلى المعارضة ان تعمل بحكمة مع السلطة للبدء بالاصلاح لحماية الكيان الكردي ولو انها مازالت غير مقتنعة بالوعود الرسمية المعلنة.

وفي الختام، لا بد ان نؤكد أن ما حصل في كردستان ليس بربيع كردي، والأسباب الرئيسية لربيع الثورات هي الاستبداد وقمع الحرية والجمع بين السلطة والثروة من قبل أهل الحكم وتحويل الدولة الى ضيعة في جيوب العوائل الحاكمة المستبدة، ولكن لو استمر حال الحكام كما عليه الان فان هذا الربيع سيعم كل بلدان المنطقة ومنها العراق واقليم كردستان، وحقيقة الأمر ان الربيع فعلا ضرورة حياتية رئيسية للانسان الشرق الاوسطي الذي يبغي الحرية والكرامة والعدالة، و في حال اندلاع الربيع الكردي في الاقليم سيكون بلاشك دافعه مجابهة الفساد المالي والاداري والرأسمالية الجشعة وتحقيق العدالة، وفي هذه الحال لابد على البرزاني والطالباني التهيؤ لهذا الحدث المنتظر والقيام باصلاح سياسي حقيقي والاستعداد للتنحي والتعامل بحكمة مع الربيع القادم في كردستان العراق.

كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]