تقول معظم المصادر العلمية وعلماء التغذية ان أي تطرف في الأكل أي النهامة بمعنى الأكل الزائد عن حاجة الجسم، والتي توصف صاحبها بالنهم أو كما يطلق على صاحبها هنا في العراق عموما بـ ( الأكال )، تتسبب بأمراض كثيرة ربما أولها ارتفاع نسبة الكولسترول السلبي وتأثيراته على القلب والدورة الدموية واقنيتها، وبعيدا عن العوامل الوراثية التي تسبب هذه الظاهرة لدى بعض الناس، فهي أي البدانة تخفي تحت طياتها الكثير من العوامل النفسية الأخرى غير المرئية والمدفونة في العقل الباطني أو الذاكرة الطفولية والبيئية، ويعرف الاختصاصيون في علم النفس والتغذية دوافع تلك الظاهرة من التطرف الغذائي!؟.

أردت بهذا المثل أن اقترب من صلب الموضوع المتعلق بظاهرة التطرف الديني والسياسي والفكري والقومي والعرقي الذي يصل الى حدود التزمت وإلغاء الآخر أو تهميشه وعدم قبوله، والتكثف حول فكرة ما الى درجة حجب الرؤية عن أي شيء غيرها، حيث أنتجت هذه الظاهرة المتعصبة والمتطرفة أنماطا من التنظيمات الفاشية سواء على شكل أحزاب أو تجمعات بشرية أو أشخاص بمختلف مواقع تأثيرهم الحياتي، بل وسيطر الكثير منهم على مقاليد الحكم في دول وممالك، من خلال أشخاص متفردين في الحكم أو أحزاب ومجموعات متطرفة، قادت بلادها الى الحروب والدمار طيلة حكمها، ولعل أمثلة التاريخ القريب في كل من المانيا النازية وايطاليا الفاشية والعراق وسوريا البعثية، تعطينا خير دليل على تلك الظاهرة التي قادت العالم الى حروب قذرة راح ضحيتها عشرات الملايين من البشر، لا لأمر ما الا لرغبة قادة تلك الدول وأحزابها المتطرفة في فرض عرق أو فكرة ما بالقوة على الآخرين الملغيين أساسا؟

لقد سقطت النازية والفاشية وانكفأت تلك الظاهرة الى زوايا مظلمة، لكنها تركت بذورا هنا وهناك لكي تنتظر جوا وبيئة وظرفا مناسبا لكي تنمو وتترعرع، مستغلة كثير من التناقضات الاجتماعية والتردي في الأوضاع الاقتصادية والثقافية لكثير من الأهالي، وغياب التوعية والتربية الصحيحة، وانعدام العدالة الاجتماعية وضبابية المواطنة تحت مضلة النظم العشائرية والمناطقية.

واذا كان النهم في الأكل يعبر عن جوع قديم كما يقولون، أو خلل في إحدى غدته أو عصارات معدته، أو سلوكا له علاقة بالخوف أو الطفولة، فان كثير من المتطرفين والمتعصبين دينيا أو قوميا إنما يعانون من مشكلة في الأصول الأولى أو البدايات أو مجموعة مركبات نقص يحاولون تغطيتها من خلال ذلك التطرف أو التعصب الشاذ، ولربما شهدنا أو سمعنا عن كثير من متطرفين دينيين يخفون تحت عباءاتهم سلوكا مناقضا بالتمام والكمال عما يظهروه أمام الناس، وكذا الحال بالنسبة للمتطرفين حد العنصرية في القومية أو العرق، حيث يعاني أكثرهم من الانتماء إلى عروق غير تلك العروق التي يظاهرون بالانتماء لها، أو ربما يغطي البعض منهم عيوبا سلوكية أو اجتماعية لا يعرفه كنهها إلا القليل القليل!

واذا كان الجسم السليم والمعافى لا يقبل أي خلل أو تطرف،فأن منطق الحياة السليمة والفكر الإنساني الخلاق، لا يقبل إطلاقا أي نوع من التطرف مهما كانت هويته أو سمته، وتحت أي مسمى أو عنوان، إلا اللهم في المجتمعات البدائية والمتخلفة التي ترزح تحت طائلة النظم الدكتاتورية والقبلية، التي تعاني أصلا من أمية حضارية وانعدام لمفهوم المواطنة والانتماء إلى مجتمع أنساني معاصر.

[email protected]