سألتني عن موعد الفحص الطبي بخصوص شكوك وجود سرطان الفم لديّ ، تعمدت ذكر عنوان مكان المستشفى لها ، وتركت لها حرية الإختيار بين المجيء أو الإمتناع. مع أمنيات مكتومة بأن تكون معي في تلك اللحظات الصعبة على الأقل كصديق لها ، ومن ناحيتي هي حبيبة تعرف حجم مشاعري نحوها. لم أكن أملك الشجاعة والطلب منها مرافقتي الى المستشفى ، لاأريد مواجهة صدمة إعتذارها القاتلة لي ، فضلت التعلق بالأوهام على التعرض لمذبحة الحقيقة.

طوال فترة إنتظار الدخول على الطبيب ، كانت عيني تفحص زوايا المستشفى منتظرا قدومها ، طوال مدة جلوسي كنت أحاول تخيل شكل اللقاء بيننا كيف سيكون ، على عكس جميع المرضى كنت أتمنى ان يتوقف الزمن ولايأتي موعدي مع الطبيب على أمل وصولها قبل حلول وقت الفحص.

لم يستجب الزمن لأمنيتي بالتوقف ، بل سار وتقدم لغاية دخولي غرف الفحص الطبي بصحبة صديق نبيل جاء من مكان بعيد ، ولم تحضر ، تجاهلت الأمر ، بعد ان حصدت ماتريده من إعجاب وحب دغدغ نرجسيتها وأشعرها بإنوثتها وجمالها وقيمتها ، كانت علاقة إستثمارية من طرفها ، منذ البداية رفضت ان ترتقي بها الى مرتبة العلاقات الإنسانية ، وكانت الأوهام تغلف مشاعر الحب لديّ. من قال ان الحب توأم الحقيقة؟

بعد مضي إسبوع على الفحص الطبي ، إتصلت بي تسألني عن النتيجة وهي تتصنع الإهتمام والقلق ، أجبتها بأن النتيجة سليمة ولايوجد شيء يخيف. وكتمت أحزاني ووجعي ، وإحتضنت جرحي ، وحبست غضبي عنها. كنت أريد ان أظل ذكرى جميلة في حياتها ، لم أشأ ان أختم علاقتي بها بعتاب وأجبرها على الكذب والإدعاء بعدم التذكر أو الإنشغال... تركت لإحساسها إدراك نهاية هذه اللعبة بيننا. كانت العلاقة بها غلطتي ، لكن من أين تأتي بالحكمة والعقل في لحظات جنون مشاعر الحب ، وإشتعال الروح والطيران الى دنيا الأحلام والخيال والأوهام؟

هل المرأة تختلف عن الرجل بالمبادرات الإنسانية؟

صحيح ان المرأة كائن عاطفي ، لكن غالبا ماتكون مشاعر التعاطف الإنساني محبوسة في داخلها لاتتحول الى مبادرات عملية ، فهي محكومة بالحذر والتردد ، وضعف الفعالية ، فالمرأة كائن منفعل وليس فعالا ، هي من ينتظر من الآخرين المبادرات نحوها في كل شيء - ماعدا علاقتها مع أطفالها - ويبدو ان الرجل يقوم بالمبادرات والمواقف الفروسية أكثر من المرأة بحكم طبيعته الفعالة وقلة حذره وتردده ، وشعوره بتحقيق الذات وتوكيدها من خلال مواقفها ، لاحظ الأعداد الهائلة من الرجال الذين تشردوا ، وقتلوا ، وسجنوا وأعدموا طوال التاريخ بسبب مواقفهم ومبادراتهم قياسا الى الأعداد القليلة من النساء.

أرجو ان ننظر للأمر من ناحية نفسية ، بعيدا عن الإدانة الأخلاقية ، فالفروق الفردية بين الرجل والمرأة هي من يفرض عليهما الإختلاف في التفكير والمشاعر والسلوك. بمعنى ان كل منهما بحكم طبيعته مسير ومجبر على سلوك محدد بعيدا عن خرافة الإرادة الحرة التي يتغنى بها الشعراء والساسة.


[email protected]