أطراف المعارضة السورية التي خطفت ثورة الشعب السوري السلمية ( والتي جاءت اصلا لمحاكاة الثورات العربية السلمية في تونس ومصر) وهربت بها الى حضن دول اقليمية لها مطامع كبرى، هي من تتحمل الآن دخول كل من هب ودب على الخط والتهديد بالتدخل وquot;قلب الموازينquot; وquot;منع التغييرquot; الا اذا كان لمصلحته. تنظيم quot;الاخوان المسلمينquot; الاصولي والذي يتحرّق للحكم وانتزاع الكرسي من quot;الاقلية التي حكمت اربعين عاماquot; تموقع في تركيا وصار منفذا لاجندة حزب العدالة والتنمية ومطبقا لبرامجه ورؤاه فيما يخص الوضع السوري. هذا التنظيم حارب الكرد وخونّهم وصار المانع الاكبر لاعتراف (المجلس الوطني السوري) بهم كرما لعين الحزب الاسلامي الحاكم في تركيا. هذا التنظيم بدأ بتطييف الثورة الشعبية السلمية وطرح الملونات الطائفية فيه عملا بنصحية حلفاءه من التنظيمات الشقيقة، وتنفيذا لسياسة أنقرة تجاه الوطن السوري. حدوث مصادمات مذهبية وتصاعد وبروز النبرة الطائفية والحديث عن quot;الاكثريةquot; مقابل quot;الاقليةquot; والفرز العسكري/الطائفي الذي يحدث الان في سوريا بين كل من quot;الجيش العربي السوريquot; وquot;الجيش السوري الحرquot;، نقل بالثورة السلمية من مرحلة كانت ثورة لكل السوريين الى مرحلة جد خطرة حولتها الى ثورة لquot;الأكثرية الطائفيةquot; ضد quot;الاقلية الطائفيةquot;، فيما وقفت بقية مكونات الشعب السوري حائرة وهي تنظر بخوف ووجل لهذا الاستقطاب الخطير. كتائب quot;عمر بن الخطابquot; وquot;معاوية بن ابي سفيانquot; لها وقع ولون طائفي واضح، ولااعتقد ان أيّ من الضباط أو الجنود السوريين من غير طائفة quot;الاكثريةquot; إذما انشقوا سيقررون الانضمام اليها. هي ازمة حقيقية والمسؤول الاول عنها هو النظام المجرم الذي لم يكف دقيقة عن قتل المدنيين واذلالهم، كما مسؤول عنها المعارضة التي فشلت في تلقف الثورة السلمية الشاملة وقيادتها ضمن قراءة موضوعية مناسبة للوضع السوري وللتوازنات المحلية، فارتكنت على الخطاب الطائفي وارتمت في حضن دولة اقليمية كبرى مثل تركيا ( التي ميزانية جيشها أكبر من ميزانية سوريا كلها، والتي تاريخيا طامعة في الوطن السوري، تمنع عنه المياه وتعادي جزءا من شعبه)، كما اتصلت مع الدول العربية المصنفة في quot;محور الاعتدال/المحور الاميركيquot; واخذت منها الامكانات والدعم الدبلوماسي والاعلامي، لتدخل في مبارزة اقليمية مع محور آخر هو quot;محور المقاومةquot; الذي تقوده ايران. تصريحات رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الاخيرة المؤيدة لنظام بشار الاسد ليست غريبة. هي تأتي في سياق الاستقطاب الطائفي الحاصل حاليا. المالكي حليف ايران ورجلها في العراق وهو لايستطيع ان يقف مكتوف الايدي حينما يرى المعارضة السورية وهي ترتمي في حضن تركيا ودول الخليج وتتصاعد النبرة الطائفية في خطابها المعلن. المالكي لن يقف مكتوف الايدي حينما يشاهد اللافتات والشعارات التي ترفعها الجماهير ضد ايران ومنظمة quot;حزب اللهquot; اللبنانية. المالكي لن يقف مكتوف الايدي حينما يسمع رئيس (المجلس الوطني السوري) برهان غليون في حديث لصحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; وهو يتعهد بقطع كل العلاقات مع ايران وحزب الله حين استلامه هو ومجلسه الحكم في دمشق. تصريحات غليون ليست سورية صرفة بل هي ملقنة وتهدف لارضاء اطراف يرٌاهن عليها المجلس في مساعيه لاسقاط النظام السوري والوثوب على كرسي الحكم. للأسف الشديد لقد أدخل كل من النظام المجرم بارتهانه على القتل والارهاب والاعتماد على quot;محور المقاومة/المحور الايرانيquot; والاطراف المرتبطة بهذا المحور، والمعارضة المرتبطة بالأجندة الاقليمية وبشكل خاص تركيا ودول الخليج العربي، ادخلا سوريا في نفق مظلم يهدد حقا بالحرب الاهلية. حرب اهلية ستشترك فيها كل الطوائف، لأن الاجندة والاصابع متعددة ولكل منها هدف وغاية، كما لكل منها quot;معارضةquot; تأخذ الدعم وتطبق على الأرض. والنظام والمعارضة المرتبطة بالاجندة الخارجية هما من يتحملان النتائج. النظام يتحمل المسؤولية عن تخريب سوريا 40 عاما وقتل ابنائها بهذا الشكل الفظيع، والمعارضة مسؤولة عن اجهاض الثورة السلمية وتحويلها الى مطالب طائفية ومطيّة لاجندة خارجية وجعل سوريا المتعددة الملونة الى ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية، تماما مثل ما كان لبنان ايام الحرب الاهلية الطويلة...
- آخر تحديث :
التعليقات