في ظل الاتهامات المتبادلة، بين اطراف حكومية واليككرتوه (الاتحاد الاسلامي)، حول المتسبب عن احداث زاخو وقضاء سميل وقرية شيوز ودهوك، حيث تم مهاجمة ممتلكات المسيحيين والازيدية، من قبل اطراف هائجة، تريد تطبيق قانونها الخاص. سؤ النية قد يدفعنا للقول ان هذه الاتهامات المتبادلة، ما هي الا تلاعب ومحاولة لتوجيه الانظار الى وجهة اخرى او مشكلة اخرى. حيث يكاد اعتراض المسؤولين ومطالبتهم بمحاكمة القائمين بالهجوم على مقر اليككرتو يطغى على الاكثر اذية والاكثر تاثيرا، وهو الهجوم على ممتلكات ابناء طوائف معينة تعيش على ارضها وممتلكاتها منذ الاف السنين.

نعم اننا لا نرى الحل في احراق مقر الاتحاد الاسلامي (يككرتو)، ولكن في الان نفسه، اننا نرى ان المطالبة بمعاقبة من قام باحراق المقر والاكتفاء باستنكار ما حدث من الهجمة على المسيحيين والازيدية، امرمريب حقا. وخصوصا ان الامر ليس فرديا، بل هو واضح التخطيط من خلال التجمعاتالسريعة والاهداف المحددة مسبقا.

والملا اسماعيل عثمان المتهم بالتسبب في اشعال نار الفتنة في خطبته في مسجد الرشيد بزاخو، بنفسه يوجه الاتهامات الى اطراف اسلامية اخرى، لانه يقول انه ((تحدث عن مركز المساج القريب من المسجد ولم اتحدث عن اي شئ يتعلق بالمشروبات او ما شابه))، واضاف عثمان quot;انا صديق الحزب الديمقراطي الكردستاني وان ماحدث كان مخططا له من قبل التيار الاسلامي لان الكثيرمن المصليين رجعوا بعد حرق مركز المساج لكن الاسلاميين استغلوا الفرصة واستمروا)) من حوار مع صحيفة هولاتي.

من الواضح ان الاقليم قد فشل في خلال العشرين سنة الماضية من وضع خطط تربوية، تعمق التعايش المشترك، وتنشر مفاهيم تقبل الاخر، وتعمل من اجل رفع قيمة الحرية وقدسيتها للانسان السوي، والدليل ان غالبيةمن قام بهذا العمل المشين، كانوا من الشبان اليافعين، اي ممن ولدوا بعد او قبل اقامة الاقليم بفترة قصيرة. رغم ان اقامة الاقليم كان نتيجة طبيعية لممارسات الكرهوالحقد والظلم الصدامي والبعثي الفاشي.

ان المسيحيين والازيدية، لا يقبلون بانتحصر قضيتهم في بضع محلات لبيع المشروبات الروحية، ان قضيتهم هي الحرية، حريتهمكمواطنين في القيام باعمالهم القانونية، دون خوف او رعب من فتوى شخص يثير الشبان الذين لا يفهمون حقوق الاخرين وحرمة هذه الحقوق. ان المسيحيين والازيدية يريدون وقف عمليات تحقيق القانون او تطبيق الافكار والاراء بالقوة ومن قبل اطراف ليس لهاهذا الحق. ان المسيحيين والازيدية معروفون من قبل الجميع بانهم اقل الناس خروجاعلى القانون، واكثر الاطراف احتراما له. وهذا كاف لكي ياخذ القانون بحقهم من منتسبب في هذه الخسائر المادية الكثيرة بحقهم.

ان حكومة اقليم كوردستان مطالبة بمعالجة تداعيات ما حدث، وهو ليس بقليل، ان ارادت هذه الحكومة، ان يتم اعتبارها حكومة مسؤولة وناجحة وترمي الى تاسيس اقليم ناجح وليس تكرارا للتجارب الفاشلة القائمة فيالمنطقة. ان من اهم التداعيات، هي الثقة التي فقدت في الحكومة وفي المؤسسات التابعة لها. لا بل وكما بدأت اعلاه، ان هناك من سيقول ان ما حدث كان تبادل ادوارليس الا، وفي اقله سيكون هناك من يقول انها كانت تصفية حسابات، لاطراف تريد الادراة لها، ولم تجد الا هذه المخرج لكي تثبت ضعف الحكومة، اي ان المسيحيين والازيدية كانوا ضحايا، لاجل تحقيق التغيير الحكومي. ان الوصول الى هذه النتائج، يعني ان المسيحيين والازيدية ليسوا الا بيادق يتم التلاعب بهم في لعبة السياسة الحقيرة لتبادل مراكز الحكم.

اليوم على قيادة وحكومة اقليم والاحزابالسياسية كافة اعادة النظر بمجمل العملية السياسية، لان ماحدث في الايام الماضية هو افراز، للعملية السياسية ليس الا. قد يكون هناك تداخل ديني في الامر، سواء بالتنظيم او بالافتاء، ولكن السؤال سيبقى من سمح للديني لكي ياخذ قوة تطبيق القانون؟. والجواب انه السياسي الجبان الذي قدم التنازلات المتعددة للاسلامين وهم طمعوا بالاكثر. وهناك شواهد كثيرة على التنازلات المقدمة للتيارات الدينية، على حساب الدولة المدنية.

عندما يشعر السياسي بعدم الشرعية، او بضعفالشرعية، فانه سيتند الى شرعية تاريخية او يقدم تنازلات للقوى الاخرى، لكي يثبتاركان حكمه، وفي الغالب ان حكام المنطقة علمونا انهم، قدموا التنازلات المتتالية لللتيار الديني لكي يحتموا به. ولكي يدعوا امتلاك شرعية جماهيرية غير مودجودة منجانب، ومن جانب اخر للحصول على دعم دولي مقابل البديل القادم وهو الاسلام السياسي.وهي لعبة لم تعد تنطلي على احد، لان من لعبها بداوا في الزوال وصار الكثير منهم في خبر كان.

ان دخول الديني واستحواذه على مساحة واسعة من المشهد السياسي، هو تعبير عن الضعف السياسي للاحزاب والقيادات السياسية ليس الا.ان مكان الديني هو الجامع والكنيسة والمعبد، ودوره في الدعوة الى تطبيق القيمالاخلاقية الراقية، ونشر المحبة والوئام والاستقرار، ان من حق الامام المسلم والكاهن المسيحي ورجل الدين الازيدي ان يدعون الى القيم الاخلاقية، ومنها الابتعادعن المحرمات التي تحرمها اديانهم، مثل الكحول او غيرها، ولكنها يجب ان تبقى دعوة بالحسنى. وبتوفير بدائل افضل، وليس بتطبيق الفتوى او الدعوة بالقوة، فالقوة هي حصرا للدولة، المفوضة ادارة شؤون الناس.

عندما لا تسير الامور بالشكل المطلوب، وعندما لا ترتقى الحلول الى مستوى يفصل بين السياسي ومجاله، والديني ودوره، وعندما يكون الحل بالاستنكار والتنديد والشجب فقط، فعندها علينا ان نسأل متى ستكون الضربة القادمة؟

[email protected]