بدخول الجامعة العربية على خطّ العمل لإنهاء الأزمة السورية، حلّق البعض بعيداً بعيداً في تفاؤلهم، وتقديرهم لفاتحة عهد جديد في مسيرتها، يقيناً، لم يُصدَق بعد، بأنها الأخرى نالت نصيبها من رياح التغيير. حتّى إن البعض أعماه الاعتقاد بأن quot;الشقيقة سورياquot; ستكون بداية الانطلاقة الجديدة للجامعة، فبدأ بالإطناب في مدحها وتجميل صورتها.

لكن!. بعد فترةٍ، ليست بقصيرةٍ، لم تستطع الجامعة العربية دفع النظام السوري حتّى إلى مجرّد الاعتراف النظري بقراراتها. بل إنّ النظام ردّ على تدويل الجامعة للأزمة، والخوض فيها، بمزيد من الوحشية والهمجية. فكان أن سُجّلت أعلى نسبةُ قتلٍ، وسفكٍ للدمّ السوري، خلال فترة التدويل هذه. ويجب ألا يُفهم هنا أننا في وارد تحميل وازرة وزر أخرى.

مهلُ الجامعة العربية تتوالى. والأيام الدامية في سوريا تتوالى. وهل من رابط بين المُهل والأيام؟.

النظام السوري، في المُهل قبل الأخيرة، كان يستبق انتهاء موعدها بدفع ذرائعه، كسباً لمزيدٍ من الوقت، وبالتالي مهلةٍ إضافيةٍ، أي مزيداً من القتل. وهذه ليست من المسلّمات الرياضية. بل إنه واقع حال تعاطي النظام مع الجامعة. الواقع الذي يتم التغاضي عنه، رغم سلاسة فهمه واستيعابه.

في الأخيرة، المهلة، كسر النظام الروتين والرّتابة، درءاً للملل، الذي قد يتسرّب إلى نفوسنا، خاصةً والمؤشّرات تُوحي بالاستطلالة، ولكم أن تضحكوا ملء أشداقكم، وياللسخرية!. انتهت المهلة، وانتهى جسّ النبض، الذي بدا ضعيفاً، خافتاً جدّاً، ثم تدفّقت الحجج، وأُعلن القبول الناقص.

بلفتةِ خبثٍ ومكرٍ، تبادل النظام السوري الأدوار، ووضع الجامعة تحت الأسواط. يريدها فأرةً. يريد إرهاقها وتعريتها أمامنا، بعد أن أوشكنا نثق بها. لا بل أن يشفّ غليله منها. فهي التي تجرّأت عليه. هو، الآن، في انتظار ردّ الجامعة على قبوله، أو quot;ردّه الإيجابيquot;، على بروتوكولها!. هذا يعني أن مهلةً جديدةً، وقد تكون طويلة هذه المرّة، قد تصدمنا، تصعقنا، في أية لحظة. لربما نكون مخطئين. وتكون هذه نقطة النهاية، واللّامهلة بعد اليوم، وكفاك ضحكاً على ذقوننا. لكنّ حرص الجامعة على المعالجة العربية للأزمة السورية، مع التناسي، أو التغاضي، عن التجربة الليبية، يقول: لا، لستم مخطئين؟.

الجامعة العربية مطالَبة، في هذه المرحلة الحسّاسة، باتّخاذ قرارات فاصلة، قاطعة، حاسمة. أقلّها لأن هناك دماً عربياً، بريئاً، يُراق بمنتهى الوحشية. فليس هذا هو وقت اختبار القُدُرات، سيما مع النظام السوري، الذي خبرها على مدى عقود خلت، حيث لم يكن فيها شيءٌ إيجابيٌ، هذا لا ظلماً وافتراءً، ويعرف سرابها من يقينها. إذاً، نظام الأسد يعي ما يفعل، خبيراً في شؤون وشجون الجامعة. وهذه ليست أقلّ معرفة، من أجهل الجهلاء، بأساليب المكر والخداع، وquot;اللف والدورانquot;، التي لا يضاهي فيها أحدٌ النظام الأسدي.

الصمت العربي قاتل، يقتل السوريين، هكذا ردّدت الحناجر على امتداد الوطن. تكلّم الأشقاء، وخرجوا عن صمتهم، فازداد الألم، وازداد القتل. لكن، عليهم ألا يُجبروا السوريين على القول: كلامكم يقتلنا. فإذا كان ما من بدّ للاستسلام، ولا أقول الخضوع، أمام غطرسة، وعجرفة، ولا مبالاة النظام بالدم السوري، فخيرٌ للجامعة أن تلتزم الصمت، نصحاً لا أمراً، فـ quot;لا حكمة كالصمتquot;، أجنبياً، و quot;من صمت نجاquot;، دينياً إسلامياً.

[email protected]