يتسم الاسلام السياسي الکوردي، بغلوه و إنجرافه غير العادي خلف المضامين و النصوص التي تحمل معاني التشدد و الحدية و التطرف، وهو يتميز بتفوقه على أقرانه في المنطقة بتمسکه المفرط بکل المبادئ و الخطوط التي تتجه نحو المزيد من التطرف و الغلو، بحيث يمکننا وصفه بالملکية أکثر من الملك.

هذا الاتجاه الاسلامي الذي زرع اساسا في الرحم الکوردي من قبل ملالي طهران أثناء الحرب العراقية الايرانية و تم إحتضانه و توجيهه من قبلهم، تطور بعد ذلك لکي تنشأ تيارات و إتجاهات أخرى تصب کلها في إتجاه واحد وهو خلق إتجاهاتquot;تکفيريةquot;وquot;تحريضيةquot;، تبذل کل جهودها من أجل إجبار المجتمع على الانصياع لأفکارها الظلامية القمعية و القضاء على کل معاني و رموز الحرية و التقدم و الحجر على الفکر الانساني و تقييده في بوتقة مغلفة بصدأ الاکراه و الاجبار على القبول بطروحات محددة بنصوص دينية.

الاسلام السياسي في کوردستان العراق، کانت رکيزته الاساسية الحرکة الاسلامية الکوردستانية بزعامة الراحل الملا عثمان عبدالعزيز و خلفه فيما بعد شقيقهquot;المتشددquot; الملا علي عبدالعزيز، يتذکر جيدا أهالي محافظة السليمانية بشکل عام، کيف ان هذه الحرکة التي کانت متمرکزة في مدينة حلبجة، جعلت من تلك المدينة إمارة أفغانية مصغرة(ولاسيما وقد کانت إمارة طالبان قائمة وقتئذ و کانت للحرکة علاقات وثيقة جدا معها)، وکيف أنها کانت تحاسب أهالي المدينة على کل صغيرة و کبيرة، علما بأن مدينة حلبجة تميزت بأنها واحدة من المدن الکوردية التي تميزت بعطائها الفکري و الحضاري و نبغ فيها عدد کبير من الشعراء الکورد البارزين و الفنانين و الادباء و الصحفيين، غير أن هذه الحرکة المتحجرة قد غيرت من المدينة کثيرا و جعلتها مجرد مکان متصحر إجتماعيا و ثقافيا و فکريا، هذه الحرکة التي تميزت بتطرفها و تزمتها، حاولت تحقيق حلمها بتوسيع رقعة تواجدها و نفوذها الفکري و السياسي الى المدن الکوردية الاخرى، فروعا لها في السليمانية و أربيل و دهوك و مدن أخرى، لکنها و نظرا لتخلفها و هيمنة مجموعة من الملالي الجهلة المتخلفين، لم تنجح في مهمتها مما دعا الى التفکير في بديل أکثر تأثيرا و دورا على الساحة الکوردستانية حيث تأسس الاتحاد الاسلامي الکوردستاني الذي کان له هو الاخر فضل کبير في نشر أفکار الاسلام السياسي بصورة أکثر خطورة و تأثيرا من الحرکة الام، لکن الذي يميز الاتحاد الاسلامي الکوردستاني هو أنه يعمل بهدوء و ورية و نجح الى حد کبير في جعل نفسه رقما مؤثرا على الساحة السياسية الکوردستانية ولاسيما وانه نجح خلال فترة قياسية من تواجده أن يجعل من الحجاب ظاهرة في مدينة السليمانية التي هي بالاساس بمثابة باريس المدن الکوردية، کما انه تمکن من العزف بذکاء على وتر الاختلافات بين الحزبين الرئيسيين و کذلك إستغلال أخطائهما و الفساد السياسي و المالي و الاداري المستشري في الاقليم لصالح طروحاته و أفکاره و ترسيخ دوره أکثر فأکثر في الحياة السياسية الکوردية، لکن الاتحاد الاسلامي الکوردستاني يتميز بأن يلعب بذکاء مفرط و يتجنب بکل الوسائل الممکنة المواجهة مع الحزبين الکورديين الرئيسيين و يمارس دوره(الفکري)و(التبشيري)غير العاديين بحيث نجح في النهاية أن يهيمن بصورة ملفتة للنظر على مدينة دهوك(أهم معاقل الحزب الديمقراطي الکوردستاني، بعد نجاحه في معقل الاتحاد الوطني السليمانية بفرض الحجاب کظاهرة)، وان يطرح نفسه کأهم منافس لحزب البارزاني.

الاتحاد الاسلامي الکوردستاني، يقوم بعمل حساس و خطير جدا، وهو زرع الافکار في العقل الباطن للفرد و المجتمع الکوردي و بطرق و وسائل مختلفة، وهو ماتجسد بوضوح في عمليات الشغب التي جرت في مدينة زاخو، والتي إندلعت على أثر خطبة لرجل دين تابع لحزب البارزاني، لکنها جيرت و استغلت بذکاء لصالح طروحات و أفکار الاسلام السياسي الکوردي الذي يحمل رايته الآن الاتحاد الاسلامي الکوردستاني، و يبدو أن الحزب الديمقراطي الکوردستاني قد ضاق ذرعا بنشاطات الاتحاد الاسلامي و لذلك بادر الى حملة (لکن متأخرة جدا) بإعتقال أفراد قياديين منه، لکن، تشکيل لجنة تحقيقية في ملابسات القضية، سوف لن تقود الى نتيجة وانما سوف يتم تمييع و تجيير نتائج تحقيق اللجنة لصالح عمليات التوافق السياسي و(الضغوط الخارجية)على الاقليم الکوردي، الاسلام السياسي الکوردي يحلم، ومازال جادا في تفعيل حلمه و جعله أمرا واقعا، غير انه يجب علينا(وليس على الحزبيين الکورديين الرئيسيين) أن نعلم بأنه طالما کان هنالك جار معمم يتاجر بالدين و يوظفه لأغراضه السياسية الخاصة، فإنه لاأمان!

ان حلم التطرف الاسلامي في کوردستان، و الذي وضعت خطوطه و ملامحه الاساسية في أقبية نظام الملالي بطهران، هو حلم سيستمر ولن ينتهي بإنتهاء أعمال اللجنة التحقيقية الخاصة المکلفة بهذا الخصوص، انه حلم باق ولن ينتهي إلا بإسدال الستار على نظامquot;ولي أمر المسلمينquot;!!