فاجأت روسيا المجتمع الدولي بتقديمها مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يدين أعمال العنف في سورية. واللافت هنا،هو أنه فور الإعلان عن المبادرة سارعت باريس إلى وصفها بالحدث العظيم قبل ان تتراجع الخارجية الفرنسية وتعلن جملة من الملاحظات عليها،فيما أبدت واشنطن استعدادها للتعامل مع المبادرة الروسية،كل ذلك على أساس ان روسيا خرجت عن موقفها السابق وباتت مستعدة لاتخاذ موقف من الوضع السوري.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا أطلت روسيا بمبادرتها في مجلس الأمن في هذا التوقيت؟ وهل المبادرة انقلاب على ما سبق كما قال البعض أم هجوم دبلوماسي في توقيت حساس من الأزمة السورية؟
حتى الآن فهم من المبادرة الروسية على أنها دعوة لوقف العنف من كافة الأطراف مع الإشارة بشكل أكثر إلى السلطات السورية، وفتح تحقيق جدي لمحاسبة المسؤولين عن الجرائم التي ارتكبت وقبول مبادرة الجامعة العربية والتأكيد على أن الحل الوحيد للأزمة السورية يكون من خلال عملية سياسية شاملة. اللافت هنا أيضا، هو أنه تزامنا مع المبادرة الروسية أعلن عن زيارة لنائب الرئيس السوري فاروق الشرع إلى موسكو وتسريب مصادر سورية معلومات عن موجة إصلاحات واسعة وشاملة خلال الأيام المقبلة ربما يحملها الشرع معه إلى موسكو تتعلق بتشكيل حكومة وفاق وطني من خلال إشراك المعارضة فيها. بداية، يبنغي القول أن من يدقق في المبادرة الروسية لا يرى أن تحولا جوهريا حصل في موقف موسكو، فسبق وأن وافقت روسيا على مشروع قرار يشير إلى عنف ( جميع الأطراف ) وعندما حاول الأوروبيون والأمريكيون إدانة النظام السوري في مجلس الأمن تمهيدا لاتخاذ اجراءات ضده استخدمت موسكو إلى جانب بكين الفيتو، بل إن روسيا حركت سفنها ومدمراتها الحربية تجاه السواحل السورية في تأكيد منها على أن ضرب سورية على غرار ليبيا خط أحمر، وعليه عند البحث عن أبعاد الموقف الروسي من الأزمة السورية لا بد من التوقف عند نقطتين أو عاملين: 1- الأول: أن روسيا تعتبر سورية قاعدة استراتيجية لها في البحر المتوسط خاصة وأنها الدولة الوحيدة في المتوسط التي فيها قواعد عسكرية روسية ( ميناء طرطوس )، وبالتالي تعد روسيا سورية جزءا من أمنها القومي الاستراتيجي. حيث يرى الروس أن ما جرى في ليبيا أضرّ بهم كثيرا، وعليه لن يسمحوا بتكرار مثل هذا الأمر في سورية التي هي حليفة قوية لإيران. فالحسابات هنا تتعلق بالمصالح والعلاقات بين الدول وليس بوضع الشعب السوري وبأي حال هو. 2- الثاني: أن العامل الداخلي الروسي ولاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الروسية بات محددا أساسيا في السياسة الروسية تجاه التطورات الجارية في سورية وعموم الشرق الأوسط، سواء لشد هذا الداخل انطلاقا من عوامل انتخابية أو إحساسا بدور روسيا كدولة عظمى منذ أن كانت قيصرية قبل ان تكون سوفياتية.
الثابت ان توقيت المبادرة الروسية مهم جدا، فهي جاءت عمليا قبل التهديد العلني لجامعة الدول العربية بإحالة مبادرتها الخاصة بسورية إلى مجلس الأمن دون انتظار نتائج الوساطة العراقية. كما أنها جاءت في ظل تراجع حدة التصريحات الأمريكية والفرنسية رغم ان المشهد السوري يزداد دموية.وعلى مستوى الإقليمي مع انسحاب القوات الأمريكية من العراق. هذه المعطيات وغيرها تشير إلى ان المبادرة الروسية ليست انقلابا كما تحدث البعض بل أقرب إلى هجوم دبلوماسي وقائي يريد الروس من خلاله تحقيق هدفين.
الأول: سحب البساط من القوى التي تريد الذهاب إلى التصعيد واتخاذ اجراءات ضد النظام السوري خاصة في ظل الحديث عن تحرك أوروبي لمشروع جديد في مجلس الأمن،وعليه يمكن القول ان الروس يستبقون هذا التحرك الجديد ويسعون إلى إفراغ أي تحرك في مجلس الأمن من مضمونه في هذا التوقيت.
الثاني: ان تحقيق الهدف الأول ربما يعني- حسب الروس - فتح الطريق أمام تسوية سياسية للأزمة السورية من خلال خريطة طريق تقودها روسيا بنفسها في ظل تعقيدات المشهد السوري وتداخله بالعديد من القضايا الإقليمية والدولية. أغلب الظن ان المبادرة الروسية هي هجوم دبلوماسي وقائي يبحث عن استجابة على ضفاف الأطلسي لأزمة هي إقليمية تختلط فيها الأوراق والمصالح والاستراتيجيات أكثر من ما هي أزمة سورية.