إن قراءة موضوعية للتركيبة السياسية و الفكرية للمجلس الوطني السوري بقيادة الاخوان المسلمين و منذ اليوم الاول من تأسيسه يبين أن هذا المجلس لم يستطع قراءة الواقع السياسي السوري و العربي و الاقليمي و الدولي قراءة واقعية و علمية صحيحة ما أدخل بالفعل الثورة السورية في مأزق حقيقي و أطال عمر النظام بعدما كان باتت نهايته قريبة و لعل في ذلك القراءة الخاطئة للمجلس أسباب نبينها كالتالي:
bull;الفكر الانتقامي الذي تبناه لا بل و مارسه هذا المجلس و الذي جعل منه فاقداً كما ذكرنا للقراءات الموضوعية للواقع السياسي العالمي حتى كاد المجلس الوطني يخطط للمعركة مع النظام بناءً على احلام شيوخهم و محادثاتهم مع أولياءٍ لهم أو بناءً على البصّارات و المنجمات ناسين أن للسياسية اليوم قواها و معادلاتها و عناصرها و لها خارطة متشابكة و معقدة للمصالح العظمى و مراكز قرارات كبرى يؤخذ فيها كل القرارات العالمية الكبيرة و تغير الخرائط السياسية، و أن أحلام شيوخ الاخوان و أوليائهم تساوي الصفر أمام تلك المراكز.

bull;كانت السلطة هي الهدف الاول للمجلس الوطني السوري و مهما بلغ ذلك من ثمن.
bull; العقلية المغلقة و المتسلطة للمجلس التي لا تؤمن بالحوار كآلية للوصول إلى التفاهمات و التوافقات فيما بين الفرقاء والادعاء غير الصحيح بتمثيله الشعب السوري و إقصاء القوى الشبابية و المحركة الفعلية للثورة السورية.

bull;محاربة قيادة الضباط الاحرار الذي أسسه المقدم والضابط الوطني حسين هرموش و الذي سلم إلى النظام السوري بموافقة اخوانية و حل الجيش السوري الحر محله بقيادة العقيد رياض الاسعد الذي يربطه علاقة متينة مع الاخوان المسلمين.

فالمقدم حسين هرموش قائد حركة الضباط الاحرار شكل و خلال 3 أشهر 3 كتائب عسكرية تسمى الكتيبة الاولى و الثانية و الثالثة من العساكر المنشقة من الجيش السوري وهذه تسمية قانونية و وطنية و قد لاقى تشكيل هذه الكتائب ارتياحاً لدى معظم شرائح المجتمع السوري و زرعت الامل في النفوس، ثم يختفي هذا الضابط الوطني و بلمح البصر في المخيم المحاصر من قوى الامن التركية و التي ترتبط بعلاقة مباشرة مع الاخوان المسلمين ليظهر بعد ذلك على شاشة التلفزيون السوري أسيراً لدى قوات الاسد و كتائبه، ثم لتكتب بعض المواقع الالكترونية و الصحافة الورقية بأن هرموش سُلِّم و عن طريق المخابرات التركية إلى سوريا لأنه لم يخضع للإخوان المسلمين أو لأنه لم يرضى أن يسمى كتائبه العسكرية بكتائب القعقاع و الوليد و الفاروق و الخطّاب و أبي طالب أو الحسن أو الحسين كما وافق العقيد نادر الاسعد قائد ما يسمى بالجيش السوري الحر الذي هدّد على الفضائيات طوائف إن هذه التسميات شئنا أم أبينا لها دلالات دينية مذهبية وغير وطنية لا تشير إلى أهداف الثورة السورية و التي من شأنها أن تثير المخاوف لدى البعض. إن هذه التسميات التي يطلقها الجيش السوري الحر ستعود على الوطن بالسلب لأن سوريا هي ليست لخالد بن الوليد أو أسامة بن زيد أو القعقاع أو الحسن أو الحسين وحديهما هي أيضاً لجورج طرابيشي و لآشور و أرمن و زرادشت و عمانوئيل و..الخ هكذا جيش لن يمثل سوريا المستقبل و لا سورية ديمقراطية و مدنية..!!

إن الثورة السورية هي ثورة سياسية بالمطلق و مطلبها هو الديمقراطية و الحرية، و لم تكن النساء التي خرجت من سوق الحميدية بدمشق و بعدهم اطفال درعا فاتحين و لا هم داعين و لا مبشرين، بل كانوا طلاب الكرامة و الحرية، كانوا ثوار ضد نظام مستبد دموي، ينظرون إلى الغد السوري و ليس إلى الأمس السوري المستبد الطاغي.. ذاك الأمس الذي أنتج هذا النظام... شعار الثورة هي مفردتين فقط الحرية و الديمقراطية هاتين المفردتين هي اللَّتين حدَّدتا الاطار السياسي و العلمي و المعرفي لكل ثورات الربيع العربي هاتين المفردتين اللّتين قد تستوعبها كل القواميس الدينية ما عدا الاسلامية منها مفردتان لا تنسجمان ولا تتوافقان و لا بأي شكل من الاشكال مع أي مفهوم أو مصطلح ديني اسلامي و هي غير محبذتان لدى الشيوخ و الأئمة لأن فيهما خروج عن الطاعة...!!!

إذاً لماذا حاول ويحاول البعض الديني العربي أن يغير اهداف و مفاهيم الثورة السورية من مفاهيم سياسية وطنية عامة تخص كافة شرائح المجتمع السوري المطالبة بالحرية و بالديمقراطية و الكرامة إلى ثورة و كأنها تخص طرف دون آخر أو ديناً واحداً لا بل و مذهباً واحداً دون آخر.

للأسف الشديد و بعدما كان الشعب السوري يأمل بنهاية قريبة للاستبداد البعثي الاسدي و بعد أن سالت أنهر من الدماء و مازالت في شوارع القرى والمدن السورية و بعد حراك سياسي قوي لجميع الفعاليات و القوى السياسية في سورية من مؤتمرات و اجتماعات مرادفة لحراك جماهيري ثوري يقوده شباب الثورة السورية وبعد استشهاد الالاف من أبناء الشعب السوري يظهر للعيان أن معظم القوى و بالأخص منها المجلس السوري الاخواني الذي أظهرته لا بل و صنعته حركة الاخوان المسلمين و التي كانت في سبات سياسي لا بل وكانت في نعيم المهادنة مع النظام السوري.

استفاقت حركة الاخوان المسلمين بعد شهور من الثورة و تحالفت مع القوى و الشخصيات ذات الايديولوجية المغامرة و حاولت الاستيلاء عليها في أول مؤتمر للمعارضة السورية في أنطاليا التركية و التي دعت إليها قوى و شخصيات سورية وطنية كانت أغلبها للتو في أرض المعركة مع النظام لكنها و بالرغم من دعم الدولة التركية التي سهّلت انعقاد المؤتمر إلا أنها فشلت، ثم حاولت أن تلتف على مؤتمر أنطاليا بمؤتمر آخر في بروكسل إلا أنها لم تستطع أيضاً أن تصل إلى هدفها في الاستيلاء على الثورة و شبابها، فكانت استنبول هي المأوى الاخير لهذه الحركة، فنالت من الدعم ما لم تنله أية حركة أو قوى سياسية في سورية من قبل حكومة حزب العدالة و التنمية الحاكم في تركية و لعل السبب في هذا الدعم واضح و كنت قد كتبت عنه في مقالات سابقة، فدعت بعض الشخصيات و الاحزاب و بعض القوى الشبابية القريبة من أجواءهم السياسية و الدينية إلى ما يسمى مؤتمر استنبول والحقيقة أن من تلك القوى و الاحزاب و الشخصيات من ذهبت بحسن نية و بحس وطني كبير كانت غايتها المساهمة بصدق في الثورة السورية ثورة الحرية و الديمقراطية لتجد نفسها بعد ذلك في زوبعة الضغوطات التركية بعد أن قدمت هذه الاخيرة الموائد و الفنادق الفخمة و أحدث الاجهزة الالكترونية من الموبايلات و الكومبيوترات لتطبق بذلك المثل العربي quot; طعمي التم... بيستحي العين quot;. انعقد المؤتمر بكم ضحل جداً و دعم إعلامي كبير و كبير جداً من قبل محطتي الجزيرة أولاً و العربية ثانياً و طبعاً كان ذلك باتفاق تركي سعودي قطري ليُّظهرا للعالم و عبر الفضائيتين الاكثر انتشاراً في العالمين العربي و الاسلامي بأن هذه المؤتمر الاخواني هو الممثل الوحيد للشعب السوري في حين كانت وقائع الثورة السورية تثبت عكس ذلك و أن و بالفعل نجحت الخطة الثلاثية و ولد المجلس الوطني السوري.

إن ما يقدم عليه المجلس الوطني الاخواني و ما يتحلى به من العقلية المغامراتية و الاقصائية والاستعلائية و التفكير فقط بإسقاط النظام دون التفكير بالأساليب و طرق اسقاطه و وضع برامج زمنية للعمل عليه و وضع رؤية عملية واضحة لسورية ما بعد سقوط النظام ستزيد من إطالة عمر النظام و سيؤدي إلى المزيد من الخسائر الوطنية و زرع الشك وعدم الثقة بين طوائف و أعراق المجتمع السوري.