بينما كان أوباما في حديقة البيت الأبيض يودع شعب العراق،مؤكداً أنه أكمل له اليوم استقلاله، وارتضى له الديمقراطية سبيلا، كان المالكي يقف بجانبه مصدقاً على قوله، فديمقراطية الفتاوى، والأموال الإيرانية، وشهادات الزور من المحكمة الاتحادية المشكوك بشرعيتها أصلاً، وسكوت الرجل الأمريكي المتحضر على ذلك، قد أوصلته إلى سلطة مطلقة ساحقة!

حتى ساحة التحرير التي كانت تمتحن ديمقراطيته، التي أسكتت بكاتمات الصوت، والحواجز الكونكريتية.

لكن ما يزعج المالكي ويقض مضجعه، هو الصخب الهائل القادم من سوريا! وهؤلاء الذين يستحثونه مع العرب والعالم للمساهمة في وقف ما يرتكبه فيها رجال بشار يومياً من مجازر للأطفال والشيوخ والنساء العزل!

قال: كيف يطلب من رئيس دولة أن يتنحى؟ كيف يجوز التدخل لتغيير الحكم
في دولة أخرى!

ومن يسمعه لابد أن يفكر أن الرجل إما إنه فقد ذاكرته، أو ضميره!

ألم يتقاطر قادة المعارضة العراقية، يتقدمهم رؤساء الأحزاب الإسلامية الشيعية، على البيت الأبيض يطلبون من الإدارة الأمريكية مساعدتهم على إسقاط صدام ونظامه؟

ألم يحمل قادة الأحزاب الإسلامية الشيعية، وكان المالكي أحد كوادرها المجهولة آنذاك،ما سمي بإعلان شيعة العراق السيئ الصيت إلى البيت الأبيض متحدثين عن مظلومية أتباع أهل البيت دون فئات الشعب العراقي الأخرى، طالبين مساعدة الأمريكان لهم،مقدمين شتى العهود السرية والعلنية في هذه الصفقة الطائفية المخزية!

ألم يطلب بوش من صدام ومن نفس المكان الذي يقف فيه المالكي أن يتنحى عن السلطة؟
ويرسل جيوشه لذلك؟

لو كانت الإدارة الأمريكية قد أقامت الهياكل السياسية في العراق بعد إسقاط صدام،على أسس غير طائفية، وغير عرقية، لما دفع العراقيون ولا الأمريكان هذا الثمن الباهظ جداً من الأرواح والثروات في التغيير، لكنها نفذت اتفاقاتها مع السيستاني، والأحزاب الطائفية الشيعية فجعلته كما أرادوه : استبدال حكم طائفة بأخرى،وليس حكماً وطنياً ديمقراطياً يرضي الجميع، ويعطي الحقوق على أساس المواطنة والجدارة، وقواعد دستور إنساني حضاري يفصل الدين عن الدولة ويمنع التخندق، والاحتراب الطائفي! لقد أصر هؤلاء: على أن تكون الكلمة العليا فيه لهم وحدهم،وإلى الأبد، مصادرين الأكثرية الطائفية لحسابهم، لا لحساب الوطن، والقناعات السياسية والثقافية لدى الشيعة أنفسهم!


وبذلك دفعوا الطائفة الأخرى لترتكب خطأها الشنيع فتكون حاضنة (للقاعدة)، والجماعات الإرهابية الأخرى باسم المقاومة، وتتأخر كثيراً في خوض العمل السياسي الذي يعتمد الحكمة والسلام،والامتثال لمصالح البلاد العليا، ونبذ لغة احتكار الوطنية، وتخوين الآخرين!

واليوم يؤكد المالكي تلك النوايا ويريد أن يعبر بها إلى سوريا في نفس اللعبة!
ويواصل السيستاني معه المسعى نفسه، فيرفض لقاء الأمين العام لجامعة الدول العربية!

وبهذا الاصطفاف مع إيران وحزب الله اللبناني وراء نظام بشار المتهاوي في سوريا، تدفع مكونات الشعب السوري وطلائعه الثورية للاصطفاف بشكل طائفي معاكس! وربما ينزلق البعض منها لهذا المسار الخطير، معتقداً أنه بذلك يقف مع طموحات شعبه المشروعة، وحقه في الحياة بعيداً عن حكم الحزب الواحد، والطائفية المختفية داخله ووراءه!

طائفيو العراق شأنهم شأن الطائفيين الإيرانيين وإتباع نصر الله، يريدون بهذا أن يغرسوا في سوريا نفس البذور الفاسدة المسمومة التي حصد العراقيون منها جماجم أبنائهم، وخراب بيوتهم!

لماذا يخاف هؤلاء الطائفيون ومنذ الآن من نظام الحكم الجديد المقبل في سوريا؟ من قال لهم أنه سيكون طائفياً مثل حكمهم؟ أي عاقل سيقلد حكم الطائفة القائم في العراق أو إيران؟ أليس من المحتمل كثيراً أن يأتي حكماً وطنيا ديمقراطياً، وإذا لم يكن علمانياً وعقلانياً، فإنه في الأقل سيكون عقلانيا، ولا ينجر للصراع والانتقام الطائفي! فلا يعاديهم ولا يحاربهم. كما لا يعادي الطائفة الأخرى في سوريا، ولا يقتص منها، فهي أيضاً ضحية من يلعب باسمها ومشاعرها!

أليس الأفضل لقادة الطائفية الشيعية بدلاً من مناصبة النظام الجديد القادم في سوريا العداء والكراهية منذ الآن، مراجعة سيرتهم ومواقفهم وإدراك أن النزعة الطائفية لدى طائفة لا بد ان تخلق وتؤجج النزعة الطائفية لدى الطائفة الأخرى. وإن أهم ركائز استقرار الحكم هو الحذر من إهانة أو إذلال الطائفة الأخرى، والسماح لها في أن يكون لها وجود حقيقي فاعل لا بصده وتحجيمه وتسويفه وإلغائه في النهاية! وفي السير معاً في طريق المواطنة المتساوية، وحصر القضايا الطائفية بالمشاعر الدينية غير المؤذية، وغير الخطرة!

ما قاله المالكي في خطبة الوداع الأمريكية، يؤكد الخطايا والآثام التي ارتكبتها الطائفية في العراق وخوفها من ساعة الحقيقة، ويوم الحساب، ويؤكد خصلة نفسية لدى المالكي لم تعد خافية إلا على نفسه ومستشاريه، وهي رهابه وخوفه من الآخر، كلهم في هواجسه يتآمرون عليه : السنة، والبعثيون،والمشاركون له في العملية السياسية، والشباب الفقراء في ساحة التحرير،وأعضاء في حزب الدعوة، حتى النظام الجديد القادم في سوريا يتآمر عليه منذ الآن، ومصيبة الحكام أن هموم السلطة والثروة، لا تمكنهم من مراجعة الأطباء النفسانيين!

من الواضح إن المالكي وبشار يبذلان محاولاتهما اليائسة الأخيرة لعدم وصول اللعبة الطائفية إلى نهايتها المحتومة! لكن كثيراً من الشيعة والسنة، وكل أتباع الديانات الأخرى أدركوا خطورة هذه اللعبة فهي صارت تفجر دماءهم وبيوتهم وضمائرهم، وبدأوا يواجهونها ولا ينخرطون فيها كما أريد لهم، كما إن العالم قد سئمها ويريد لمصالحه أن تجري مع سكان هذه الأرض بلغة دقيقة واضحة لا تتقنع بالخزعبلات والخرافات خاصة بعد ان صارت تبحث عن أنياب نووية!

لقد رحل بن علي، والقذافي، وحسني مبارك، وصدام من قبلهم، ولم تجدهم كل اللعب التي أرادوا بها تأخير نهاياتهم الفاجعة، وسيرحل بشار،ومن يقف في صفه، مهما كسبوا من وقت في اللعب المطولة التعيسة، فالتاريخ نهر جارف لا ينجوا منه مكابر، مهما تشبث بجذوع الأشجار المنخورة!