الكل بلا إستثناء في مصر يتحدثون عن نتائج انتخابات المرحة الأولي في مصر..
الكل على مستوى محافظاتها ومدنها وقراها يتجادلون حول الظروف التى مهدت خلال مرحلة التصويت الأولي الطريق لوصول أعداد كثيرة من كوادر تيار الإسلام السياسي إلي مجلس الشعب، وربما تمهده أكثر لبلوغ أعداد اكثر منهم لبلوغ هذه الغاية.

البعض يوسع دائرة الحديث والجدل إلي مستوي وصول نظرائهم ndash; اقصد نواب الشعب المصري - إلي المجلس النيابي في أكثر من دولة عربية، بل هناك من يتوقع بلوغهم نفس المستوي من الكثرة العددية في دول أخرى..

تقدم حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمون الدعوية ومن بعده حزب النور السلفي خلال مرحلة الانتخابات الأولي، طرح تساؤل عميق وواقعي حول ما إذا كانت الثورة الشبابية الشعبية التى بزغ نورها في 25 يناير الماضي قد مهدت الطريق إلي أستحواذ غالبية سياسية إسلامية علي عدد كبير من مقاعد المجلس النيابي المصري! مما يمنحها الحق في إدارة شئون الدولة والمجتمع في مصر؟؟ وما هو النموذج الذي الذي يمكن ان تتبناه لوضع برنامجها السياسي موضع التنفيذ؟؟..
علي نفس المستوي من الجدل والنقاش، فتح الكثيرون باب مخاوف متعددة تدور حول احتمالات تشدد هذا التيار في تعاملاته المجتمعية والاقتصادية وتضييقه المجال خصوصا في مجالي الفن والاعلام.. برزت هذه المخاوف علي أثر تصريحات بعض قيادات هذا التيار الصحفية وما ينشرونه في مواقعهم الاجتماعية والتواصلية من آراء وتوقعات ونظرة مستقبلية تلخص للمجتمع موقفهم quot; الملتبس quot; من إدارة شئون البلاد والعباد..

المدقق في مجمل هذه المخاوف يلاحظ انها تركت جوهر الدين الذي هو الأساس الاقوي والاهم في المعاملات المجتمعية إلي أمور لا تمت له بصلة.. هذا الترك سواء كان متعمداً أو غير متعمد يؤثر بشكل ضخم علي ميدان المعاملات اليومية التي تظلل كل المواطنين المصريين كما سيؤثر حتما في مجال العلاقات الخارجية السياسية والإقتصادية بكل مشتملاتها بالإضافة علي ميادين الاستثمار علي وجه الخصوص..

الاشكالية التى سيواجهها المجتمع المصري في القريب العاجل ان أفراده لم يتعرفوا علي وجه اليقين علي مفردات البرامج الانتخابية للأحزاب والتيارات السياسية الإسلامية التى صوتوا لصالح مرشحيها في المرحلة الأولي وربما سيمتد ذلك إلي المصوتين في المرحلتين التاليتين الثانية والثالثة..
قلة المعرفة هذه تنصرف أيضا إلي اللذين رشحوا أنفسهم علي القوائم الفردية.. لذلك ليس أمامنا إلا ان نفسر الاقبال الشديد من جانب الناخب المصري لمنح صوته للمرشح ذو التوجه الإسلامي إلا ضمن منظومة quot; تفضيل صاحب التوجه الديني علي غيره quot;.. الأمر الذي يعادله

في رأينا خروج الملايين تعبيرا عن انخراطهم في اللحظة التاريخية التى فتحت لهم ابواب كسر جدر الصمت شدية الصلابة التي كانت تطبق علي أرواحهم، والتى ساعدتهم علي استراجاع حقهم الأصلي في الاختيار ضمن مناخ ساعدوا في صنعه وتزكيته اجواءه..

من جانبي لست ضد صعود رموز التيار اسلامي السياسي ممثلا في تحالف حزب الحرية والعدالة ( إخوان مسلمون ) وحزب النور ( سلفيون )، ولكنني ضد منهجية التصويت الطائفي التي شاهدتها وتابعتها بشكل شخصي وسمعتها عبر الكثير من قنوات التواصل والاعلام من ناحية وجربته عملياً من ناحية أخري يومي الانتخاب والإعادة..
تمنيت أن لا تلجأ هذه الاحزاب والتكتلات إلي اللعب بهذه الورقة التى وإن جلبت لهم اصوات الكثير من الناخبين، إلا ان التخطيط لإستخدامها لن يكون بنفس القوة بعد ان يتشكل مجلس الشعب المصري في صورته النهائية..

أزعم مع غيري ان مجلس الشعب المصري ربما لا يتشكل من مجموعة واحدة او مجموعتين قويتين تملكان معا الأغلبية بالرغم من المؤشرات التى حملتها لنا المرحلة الأولي.. لسببين جوهريين.. أولهما ان تحالف الحرية والعدالة ليس حزباً واحداً.. وثانيهما ان الفجوة بينه وبين حزب النور السلفي تتسع علي مدار الساعة، واري ان عمقها وتشعبها سيزداد مع الأيام حتى نهاية المرحلة الثالثة.. لقد تعذر التوفيق بين هذه القوي التى يظن البعض انها متجانسة ومتوافقة، لدرجة أننا شاهدنها تتنافس فيما بينها داخل الدائرة الواحدة وحول المقعد الواحد..
من هنا نقول ان التوافق بينهما تحت قبة البرلمان ndash; بعد إعلان نتائج المرحلة الثالثة - لتحقيق اغلبية تجمع بينهم ( 50 % + 1 ) غير منتظر.. لأن مفردات هذا التفاهم عبر القاعدة العقائدية يكاد يكون مستحيلا، وأيضاً لأن الاختلاف المهجي بينهما عميق إلي الدرجة التى تجعل قيادتهما وكوادرهما السياسية يتبادلوا التصريحات المتعارضة دون هوادة..
وفي هذا الخصوص تدلنا التجارب التي مرت بها مجتمعات عربية سبقت المجتمع المصري إلي العيش في ظل نظام حكم إسلامي أنه من الصعب أن يلتقي المنادون بمعالجة القضايا السياسية وفق مبدأ تفضيل المصالح ودرأ المفاسد !! مع هؤلاء الذين يصنفونها وفق معيار الحلال والحرام..

من هنا تشير التحليلات العلمية إلي إمكانية تحالف حزب الحرية والعدالة الذراع السياسيي لجماعة الأخوان المسلمون مع حزب ليبرالي مثل الوفد وكذا حزب الوسط، او يتقارب إلي درجة التآلف مع أحزاب تحرية تمثل الموجة السياسية التي تعكسها ثورة 25 يناير سواء كانت شبابية او إئتلافية..

ازعم أن القضية الأساسية التى تشغل الأحزاب السياسية والتيارات الموازية لها التى ستحقق مكاسب عددية بشكل أو بآخر علي مستوي العملية الانتخابية من الآن وحتي نهاية شهر يونية 2012 - المواعد المرتقب لتسليم السلطة لرئيس جمهورية مدني منتخب ndash; هي كيف السبيل إلي توليف أغلبية برلمانية ضمن اطار او نسق مجتمعي تتوافر له عوامل التوافق والتنسيق والترتيب طوال سنوات الدورة البرلمانية لمجلس الشعب القادم..


فهذا المجلس هو الذي سيشارك مع اطياف المجتمع المصري الأخري في وضع صيغة الدستور الجديد الذي سيحدد مصير مجتمعها لسنوات طويلة قادمة.. وهو الذي سيحاسب الحكومة التالية التى ستتشكل بعد الانتهاء من فرز اصوات الذين شاركوا في معركة الاعادة التى ربما تشهدها المرحلة الانتخابية الثالثة.. وهو الذي سينظر في مشاريع التشريعات التى تتقدم بها التجمعات السياسية التى تمارس حقها البرلماني تحت قبة المجلس وتلك التى ستتقدم بها الحكومة وكذا التى ربما يقترحها رئيس الجمهورية الجديد.. الخ..
هذا التوافق لا يهم المجتمع المصري بكل اطيافه السياسية والمجتمعية فقط..

بل يهم ايضا القوي السياسية العالمية التى لم تكن تتوقع هذا الصعود الاسلامي ليس في مصر فقط وانما في تونس والمغرب وليبيا وربما قريبا في اليمن وسوريا..
فقد اتضح لها بما لا يدع مجالا للشك ان القوي السياسية الإسلامية شاركت في تفجير بعض ثورات الربيع العربي وساهمت بقوة في تطوير بعضها الآخر، وانها أصبحت تمسك بين يديها بمساحات واسعة من قاعات مجالسها النيابية..

كما اتضح لها بالصوت والصورة ان عرض قيادات وكوادر هذا التيار لنفسها علي المجتمع الذي تعيش بين ظهرانيه لم يلجأ إلي التستر لإخفاء هويته ولم يغير من ابعاد صورته لكي كون مقبولا علي المستوي الجماهيري..

هم يدركون، أعني الأحزاب السياسية الإسلامية والقوي الدولية، ونحن معهم أن التيار السياسي الاسلامي الذي انحازت له صناديق الاقتراع في اكثر من دولة عربية ستكون له الصدارة التشريعية والرقابية في السنوات القليلة القادمة ( اربع او خمس سنوات ).. لذلك يصبح من الحتمي علي هذه القيادات العربية الجديدة ان تسارع ببلورة رؤيتها للمستقبل بكافة مشتملاته، لأن فوزهم في هذه المرحلة ليس نهاية المطاف.. ولأنهم سيتعرضون للمسائلة في وقت اقرب مما يتصورون.. ولأن مدة بقائهم تحت قبة المجلس النيابي مهما طالت ستقترب من نهايتها وسيجدون انفسهم في مواجهة احتمالات خسارة انتخابية لم يعملوا حساب لها ضمن نشوة اننصار ظنوا انه دائم؟

bull;استشاري إعلامي مقيم في بريطانيا [email protected]