quot;عودوا إلي مصر ماء النـيل يكفينـا
منذ ارتحلتم وحزن النهر يدمينـــــا quot;


في مقاله الأخير المعنون بquot; أوطاننا أولى بنا quot; يحرك فينا الشاعر الكبير quot;فاروق جويدةquot; مشاعر الشجن والألم، يحمل المقال ايحاء حانياً،هو حديث ليس عن علاقة التواصل وحقوق المواطنة، بل هوعن نداء الوطن لأبنائه. نداء يختزل جدلاً طويلاً ويفتح قضايا خطيرة، أهمها على الإطلاق الحالة الأبرز التي تهيمن على الوضع في مصر والمتمثلة في (الجماعات الإسلامية والسلفية ) والتي لايستطيع أي مراقب احصاء ما تقذفه الصحف وما تبثه الفضائيات من أخبار عن ممارساتهم.

إن المجتمع المصري الآن يتم تضليله من قبل قوة أكبر منه تنسج خيوطها في مثابرة وبلا هوادة هل هذه القوة هي الإسلاميون؟ أم السلطة العسكرية أم الاثنين معاً؟؟ والمعضلة حينما يحاول المواطن الواعي أو المثقف وضع أصابعه على الخلل بينما المجتمع بأفراده أو جماعاته لا يؤمن بوجود مشكلة من الأساس !!

لقد عاد إلى أرض الوطن خيرة مثقفيها، فماذا حدث لهم؟؟ هل ُنذَكِر بالدكتور البرادعي؟؟ وقد جردوه من وطنيته وعروبته ودينه وشككوا في كل مواقفه المشرفة،هذا الرجل الذي أطلق رصاصة الاحتجاج الأولى ردوا إليه الرصاصة في القلب بعد أن سمموها بأكاذيب باطلة.

أم نُذَكِربالدكتورة هالة سرحان التي ظلت وفية لوطنها تحمله معها أينما رحلت، هل تابعت حلقتها مع السيدquot;عاصم عبد الماجدquot; حينما أجبرها على وضع (الجدار العازل) حتى يتكرم بالحوار معها ! لقد ِشعرت بغصة في قلبي حينما سمعتها تتسائل مشدوهة : أهكذا سيكون الحال؟؟ هل نغلق التليفزيون؟؟

وهؤلاء الإسلاميون الذين أصبحوا فجأة ملء السمع والبصر ndash;ولسنا بصدد الحديث عن ماهيتهم أو مصداقيتهم ndash; هل سيخلقون مناخاً جديداً يؤمن بالتعددية؟

هل يتنازل هؤلاء عن القاعدة الثابتة في فكرهم وهي (الضدية)؟ كيف وحمى (الأنا) لديهم قد انتجت تنميطاً ثابتاً لا يمكن أن يتزعزع،فالآخر موسوم بالدنس والدونية، بل أن المرادف الثابت لكلمة مثقف أصبحت كافر وزنديق و....

هل لنا أن نرجع وبشكل توثيقي إلى السجالات الموجودة على صفحات الانترنت وأغلبها يتهم المصري المغترب بالعمالة والكفر لمجرد أن البعض ينادي بدولة مدنية؟ لأن الدولة المدنية لن تواجهنا بشرعية إلهية كلما حاولنا مجاوزة النماذج الثابتة في أفكار ساساتها ورجالاتها.

نحن نصر على الدولة المدنية لأن من شأنها الإبقاء على الآخر وليس إقصائه، لإن التفكير المغاير هو انبثاق لبراعم فكرية جديدة وتشريع الأبواب لإمكانات مختلفة من شأنها دفع عجلة التنمية.

لكن مفهومي الليبرالية والعلمانية استخدما ووظفا في سياقات تخدم مصالح الدولة القادمة، وقد نجحوا بإسهاماتهم التضليلية في انتاج صورة نمطية ملتبسة عن كل من هو ليبرالي أو مثقف وتأطير هذه الصورة في كلمة (كافر).

هناك حملة ممنهجة لتكثيف العقدي والديني في مواجهة الفكر المستنير، وهي حملة جائرة لأنها تستخدم الضدية في غير موضعها، ونحن الآن نلمس تراكماً كمياَ واضحاً لمسايرة الشارع المصري لتلك الحملة، وهذا ما ينطبق عليه وصف quot;تدليس الفكرquot;.

وهذا ليس معناه أن المواطن المصري يسهل تضليله،لكن كما هو معروف أن البشر باختلاف دياناتهم وتباين أفكارهم حينما يقعون تحت سنوات مديدة من القهر والبطش يعودون إلى هويتهم الأولى وهذا ما حدث في مصر، ومن هنا يصبح فارق التمييز بين الأضداد دقيقاً جدا.

إننا الآن أمام مشاهد غرائبية منها : موقف مذيعة قناة الإسكندرية وحجابها التايواني المستجيب لرغبة ضيفها السلفي،ومشهد تمثال حوريات البحر بالإسكندرية الذي أعاد للأذهان مشهد تحطيم تمثالي بوذا ومشهد الجدار العازل والذي أدارته الدكتورة هالة سرحان بجدارة لأنها ndash; كما أعتقد- لم تفعله استجابة لرغبة ضيفها، بل رغبة منها في طرح قضية للرأي العام وهي مستقبل مصر الإسلامية. فالوضع برمته عسير الفهم وكأننا تعرضنا لضوء قوي أضاء كل الأشياء فإذا كل الثوابت مطروحة للتقييم.

ونحن يمكننا المراهنة على جدة ما يصبو إليه الإسلاميون وكذلك السلفيون، فممارساتهم تكشف عن مخططهم، وحينما يتحقق ذلك سوف تشهد مدن أوروبا نزوحاَ مصرياً لا يضاهيه إلا النزوح الإيراني بعد الثورة.

د.أمل إبراهيم