الاوضاع السياسية في العراق بدأت بالتدهور وبتسارع شديد، ورئيس الحكومة نوري المالكي بعد عودته من واشنطن عاد بثوب جديد وقلب جامد ليضع القائمة العراقية برئاسة اياد علاوي امام خيارات صعبة وطرق حرجة لم يترك امامها مجالا للمناورة فاختارت قائمة المكون السني تعليق مشاركتها في مجلس النواب والحكومة الاتحادية لتضع العملية السياسية والشراكة في الحكم امام طريق مجهول تاركة تحالف المكون الشيعي امام واقع مفاجيء لم يتوقعه بهذا التعاقب السريع للاحداث والمواقف، وبهذا الخيار وجه المالكي ضربة قوية الى العراقية، ولكن من حقنا ان نسأل الرجل الاول في حزب الدعوة هل حسب هذه الضربة الموجعة بدقة ومنطق سياسي يراعي مجمل الحسابات العراقية والاقليمية والدولية ؟.

وكما يبدو من الاحداث ان العصا والضربة القاضية التي ضرب بها المالكي قائمة علاوي هي ملف الارهاب، وبهذا العمل كشف المستور عن أول خبايا الواقع الرهيب الذي عاشه العراق منذ سقوط صنم الاستبداد، واستند رئيس الوزراء في ضربته الموجعة للعراقية الى تحقيقات قضائية حول عمليات ارهابية شهدتها الساحة في الفترة الاخيرة ومنها تفجير البرلمان العراقي الذي اعتبر خرقا كبيرا للطوق الامني المحيط بالبرلمان وبرئاسته، والتحقيق الذي اجري عن هذا العمل الارهابي كان القشة التي قصمت ظهر البعير لقائمة علاوي، وكان القطرة الساحرة في بودق التفاعلات التي كشفت بواطن الامور حول الشكوك التي احيطت ببعض قيادات العراقية ومنهم طارق الهاشمي ورافع العيساوي وصالح المطلك، وما اعلن من اعترافات على الفضائية الحكومية عن اشراف الهاشمي على مجموعة عمليات ارهابية شكلت صدمة كبيرة للمتابعين ولمجرى العملية السياسية في العراق.

والمعروف ان مبادرة الطاولة المستديرة لرئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني لعبت دورها في انفراج ازمة البرلمان الجديد وتشكيل الحكومة العراقية بعد انتخابات الفين وتسعة، ودخول العملية السياسية في مسار متواصل، والاتفاق الذي توصل اليه القادة شكل انجازا سياسيا كبيرا لتحديد حاضر العراق، ولكنه بمرور الوقت تعرض الاتفاق الى مصاعب وخلافات متواصلة تطورت بالأخير الى أزمات قائمة ومستمرة بين قائمة العراقية وتحالف دولة القانون، وتوجت الازمة بالصدمة السياسية الانفجارية التي عقبت عملية التفجير الارهابية في مجلس النواب، فانطلقت شرارة أزمة عميقة وخطيرة على الساحة العراقية نتجت عنها تعليق جلسات البرلمان والحكومة التي شكلت بمشاركة جميع الكتل البرلمانية.

وهذا يعني تعرض العملية السياسية لادارة الدولة العراقية الى اخفاق شديد، ويتبين من هذا الاخفاق الكبير والشرخ العميق ان القيادات العراقية مازالت بعيدة كل البعد عن الوصول الى مخرج وطني لوضع ارضية متينة لحل الخلافات والقضاء على الازمات السياسية وتفعيل حكومة المشاركة للبدء بالبناء والاعمار والتنمية وتوفير الخدمات والاصلاح لخلق واقع جديد للعراقيين ياخذ طريقه الى الساحة السياسية من خلال مساهمة عامة وفاعلة لكل القوى والاحزاب للتعامل مع الاحداث والوقائع العراقية بموضوعية وواقعية ومسؤولية وطنية.

والحقيقة المؤلمة ان مشاركة الاطراف السياسية بالارهاب غير محصورة بطرف معين بل هي تشمل أطرافا عديدة في الواقع العراقي الذي حصل بعد احتلاله من قبل القوات الامريكية، ودفع المالكي لحصر تهمة الارهاب بجهات ممثلة للمكون السني من خلال اتهام الهاشمي وبعض القيادات في العراقية عملية خطيرة جدا ولعبة نار شديدة الاحتراق لحاضر ومستقبل العراق، لان حصر هذا الاتهام بجهة معينة لا يعني براءة الجهات الاخرى ومنها بعض القيادات والاطراف المحسوبة على المكون الشيعي من واقع العنف الدموي الذي حصل في العراق، وان كانت هنالك تحقيقات قضائية على شخصيات معينة فمن الأجدر للحكومة والمالكي والجهات القضائية اجرائها على جميع الشخصيات الحزبية والقيادية المشكوك بها في الكيانات السياسية الممثلة للمكونين الشيعي والسني.

والأمر الجديد في المعادلة السياسية الراهنة في العراق هو الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة الى الولايات المتحدة الامريكية، وما نجده في هذه الزيارة بعد عودته ان مالكي اليوم ليس مالكي الغد، بدليل ضربة الصدمة التي وجهها الى القائمة العراقية لاحتوائها وتثبيت سياسة السيطرة المطلقة لرئيس الوزراء على امور الدولة، ولكن هل يعقل ان تجري سفينة القيادة بما يشتهيه المالكي، لاشك ان الايام الاتية ستجيب على هذا السؤال.

ولكن توزايا مع الاحداث الجارية لابد من تبني رؤية سياسية وطنية حاسمة من قبل القادة لاخراج العراق وانقاذه من أزمته الراهنة الخطيرة والشبيهة ببركان على وشك الانفجار لاحراق البلد وتعرض العراقيين الى عواقب لا يحمد عقابها، وبسب التأزم الحاصل بين المالكي وعلاي، فلا مفر من تدخل الرئيسين جلال الطالباني ومسعود البرزاني للقيام بدور الوسيط والقيام بمهام عاجلة لانقاذ العراق من الازمة السياسية الخطيرة التي وقع فيها، ودفع الطرفين المتأزمين القائمة العراقية وتحالف دولة القانون الى المصالحة السياسية وتبني رؤية موزونة لتبنيها من قبل قيادات الكتل السياسية لضرورات سياسية عاجلة يمر بها الواقع العراقي، رؤية اساسها المنطق ودافعها الواقعية للاعتماد عليها كخارطة طريق لتفعيل العملية السياسية والانطلاق بحكومة الشراكة وفق منظور وطني لحماية الامة العراقية من الانزلاقات السياسية التي تشهدها الساحة، والانتقال بواقعها الى مرحلة جديدة قادرة على تلبية الاحتياجات الحقيقية للعراقيين أمنيا وحياتيا وانسانيا واقتصاديا واجتماعيا.

وبهذا الصدد نطرح رؤية سياسية على الرئيسين الطالباني والبرزاني لاطلاق مشروع عراقي وطني لحل الازمة الراهنة، وهي تتضمن ما يلي:

اولا: حصر المضاعفات الناتجة عن قضية اتهام طارق الهاشمي وحمايته ومكتبه بالارهاب واحتوائها وتفريغها من المضمون السياسي وحصرها بالجانب القضائي من باب الضرورات العراقية الوطنية والحكمة والمنطق السليم.
ثانيا: تبني عقد مؤتمر عاجل بين قيادات الكتل والاطراف السياسية لرسم نموذج سياسي جديد في ادارة الدولة العراقية باشتراك كل الكتل وبقيادة قادرة على تبني مشروع وطني لمراعاة مصالح كافة المكونات السياسية التي حصلت على مقاعدها البرلمانية من خلال استحقاقاتها الانتخابية.
ثالثا: تأكيد جميع القوائم والكتل على الالتزام بمواد الدستور الدائم والاستناد اليها بشكل حاسم لحل الخلافات، والتعهد بعدم ايصال حالات اختلاف الموقف الى أزمة مستعصية بعيدة عن الحل.
رابعا: حل جميع الخلافات العالقة بين حكومة اقليم كردستان والحكومة الاتحادية في بغداد.
خامسا: تحديد برنامج عمل جديد وفعال للحكومة يستلهم اسسه من المعاناة والمشاكل والازمات الاحياتية والمعيشية التي يعاني منها العراقييون.

باختصار، هذه الرؤية السياسية المتواضعة المطروحة امام الرئيسين الطالباني والبرزاني لدراستها وتبنيها للخروج بمشروع عراقي وطني لحل الأزمة القائمة وحصر مضاعفاتها الخطيرة، نأمل الأخذ بها وهي نابعة من واقع العملية السياسية التي يمر بها العراق لضمان نموذج فعال من البرنامج السياسي الوطني القادر على ضمان البيئة السليمة لجمع شمل العراقيين بجميع مكوناتها السياسية، ونأمل ان تأخذ هذه الرؤية دورها للانطلاق بالعمل الجاد لانقاذ العراق.

كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]