استوقفتني افتتاحية صحيفة واشنطن بوست بتاريخ 14 كانون الاول / ديسمبر بعنوان rdquo; خطة أميركية لانقاذ الإيرانيين في العراقrdquo; على خلفية زيارة المالكي للولايات المتحدة ولقائه مع الرئيس اوباما، كأن الخارجية الاميركية ترد وعلى مضض، من خلال صفحات هذه الصحيفة، على الكلمات التي ادلى بها المتحدثون في المظاهرة الحاشدة التي اقيمت يوم اللقاء ndash; اي في 12 ديسمبر- امام البيت الابيض وناشدوا فيها الرئيس اوباما بمطالبة نوري المالكي تأجيل إغلاق مخيم أشرف.

ان القاريء لايستطيع عن يخفي استغرابه الشديد عندما يطلع على ما تحمل هذه الافتتاحية من البداية حتى النهاية من المغالطات والأكاذيب التي تعودنا سماعها طيلة ثلاثة عقود من مخابرات الملالي ضد المعارضيين الإيرانيين وطبعا دون تقديم ادنى دليل وبرهان يمكن الاستناد إليه خاصة عندما يشير المقال إلى rdquo;بعضrdquo; مجهول يعتقدون ان مجاهدي خلق مسؤولون عن مقتل الآف من المدنيين منهم الأميركان في طهران!!

لربما حديث السيد لوئيس فري رئيس مكتب التحقيقات الفدرالية (اف بي آي) لمدة 9 سنوات- خلال مشاركته في مظاهرة 12 ديسمبر، هو الذي اثارة حفيظة كاتب- او كتاب الافتتاحية- حيث قال بانه لا توجد اي وثيقة في دائرته السابقة وكذلك لدى اي جهاز استخباري أميركي تدل على وجود صلة لمجاهدي خلق مع الإرهاب. لان العالم اصبح يعرف الآن بان صفة الإرهاب الملصقة بمجاهدي خلق عام 1997 جاءت من قبل الخارجية الأميركية للترحيب ولإبداء rdquo;بادرة حسن النيةrdquo; لإدارة بيل كلنتون بالملا محمد خاتمي الرئيس الجديد انذاك لحكومة الملالي ولم تكن تستند من قريب او من بعيد إلى اية حجة قانونية طبقت لما ورد في الحكم الصادر عن محكمة استئناف واشنطن في يوليو /تموز عام 2010 القاضي بمطالبة الخارجية الاميركية باعادة النظر في هذه التسمية.

كما تشير الافتتاحية إلى قول ما يسمى بـ rdquo;مجلس العلاقات الخارجيةrdquo; وانه لوبي معروف ومكشوف لملالي طهران بان مجاهدي خلق ndash; اي سكان أشرف- هم ضالعون في قمع الشيعة والأكراد في العراق. اكذوبة مفبركة من قبل مخابرات الملالي واعوانها في العراق، خاصة بعد ما عبر ابناء الشعب العراقي في تواقيعهم البالغة 5،2 مليون توقيع عام 2006، و3 ملايين من ابناء جنوب العراق عام 2008 وميليون وخمسين ألف توقيع لهم هذا العام، اعلن مناصرتهم مع سكان أشرف ومجاهدي خلق وبعد ما اكد عدد كبير من الساسة العراقيين، دحض هذه الاكاذيب.

وعندما هاجمت القوات العراقية في 28 و29 يوليو / تموز عام 2009 وقتلت 11 من سكان المخيم وعاودت الهجوم في الثامن من نيسان العام الحالي على سكان اشرف العزل مما ادى إلى مقتل 36 منهم واكدت الامم المتحدة وجميع المنظمات الانسانية الدولية ادانتها واستنكارها لهذه الجرائم البشعة،يلتفت القارى للافتتاحية إلى فبركة جديدة لهذه الجرائم المكشوفة ndash; من صنع الخارجية الاميركية لربما!- حيث يشير المقال إلى ما يلي laquo;...غير ان حالة العداء ضد هذه المجموعة بقيت قائمة بحد كبير وظهرت هذه الحقيقة في مجزرة بضعة عشرات من سكان مخيم اشرف من قبل القوات العراقية في نيسان الماضيraquo;. فيا عجبا عجبا... في الوقت الذي يعترف المقال بان القوات العراقية هي التي قتلت سكان أشرف لكنه لا ينسى المقال بان يناصف التجريم بين القاتل والمقتول! لان المجاهدين الضحايا هم الذين نصبوا العداء مع العراقيين!

لكن هذه المناصفة الغريبة لم تأت صدفة بل انها مقصودة...والغاية هي تبراءة ساحة الولايات المتحدة من المجزرة القادمة لان كاتب الافتتاحية يقول: laquo; ان لم يتم اجلاء السكان من المخيم في المهلة المحددة من قبل المالكي وهي المهلة المتزامنة مع انسحاب القوات الاميركية فان البعض يساورهم القلق بان المالكي يغمض العين على العنف في المخيم....raquo;. قد تطبق هذه الحالة على rdquo;البعضrdquo; الذي يشير اليهم المقال لكن العالم باجمعه يعرف بان ما فعلت القوات العراقية وتفعله ليس بسب غمض العين للسيد المالكي بل انه تنفيذًا للأوامر الصادرة منه مباشرة وفق ما اعلنته المحكمة الاسبانية التي بتت في ملف الجرائم السابقة.

كلما صاغته الافتتاحية من البداية حتى الان كان مدخلا لطرح rdquo;البيت القصيدrdquo; الا وهو هناك خطة لنقل السكان إلى مخيم اسمه rdquo;ليبرتيrdquo; كان يدار من قبل الاميركان سابقا ويقع بالقرب من مطار بغداد الدولي...فيجب ان لا تعارض لهذه الخطة rdquo;قيادة باريسrdquo; التي تعد rdquo;مصدر المشاكلrdquo; فيجب ان لا تضع هذه القيادة شروطًا تعجيزية! كحماية القوات الاميركية اوقوات حفظ السلام الدولية لعملية النقل لان الاولى في حالة الانسحاب! والثانية غير موجودة اساسا! laquo;وعلى مجاهدي خلق وحماتهم ان يقبلوا بهذه الخطة التي تشكل احسن الفرص لحماية اعضائهمraquo; كما زعمت الافتتاحية.

فبذلك تكشر مخالب الجريمة بحق الانسانية من داخل قفازات الخارجية الخمائلية... فبصراحة ان هذه الخطة ليست سوى النقل القسري لسكان أشرف من قبل قتلتهم إلى المقتل الجديد والأمر المريب هو الحاح كاتب الافتتاحية على عدم مطالبة السكان بوجوب حماية اميركية او دولية لهذه العملية لانها غير واقعية!!

واقول هنا وأمام هذه المسرحية المهزلة الدامية، كيف ان اصرار المالكي على إغلاق المخيم في مهلة حددها هو وعدم تأجيلها ليس أمرًا غير واقعي؟ كيف ان غمض عينه لمجزرة قادمة لسكان أشرف من قبل قواته ليس أمرًا غير واقعي؟ لكن ارتكاب المجزرة الجماعية بحق نحو 3400 من اللاجئين العزل الذين تطالب الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي وجميع المنظمات الانسانية بضرورة مراعاة حقوقهم الانسانية وعدم المساس بحياتهم وكرامتهم، امر قد يكون واقعيا تماما حسب الافتتاحية والمسؤولية على عاتق rdquo;قيادة باريسrdquo; لانها مصدر المشاكل!!

فبذلك تمهد الافتتاحية بكل صلافة وبشاعة، الارضية لحمام دم في المخيم بعد ان تبرأت تماما ساحة الولايات المتحدة منه لكن الحقيقة هي ان الولايات المتحدة تبقى مسؤولة عن كل قطرة دم تراق من سكان المخيم في حالة اي تعرض دام للمخيم. انها مسؤولة لانها وقعت على اتفاقية الحماية لهم فردا فردا. انها مسؤولة لانها سلمت الملف الامني للقوات العراقية رغم علمها بان هذه القوات ليست غير مؤهلة لحماية السكان بل انها ستفتك بهم. انها مسؤولة لانها تركت في الحالتين السابقتين المخيم رغم علمها وتأكدها بان السكان سيتعرضون للعنف الشديد. انها مسؤولة لانها تعلم جيدا بان سكان المخيم سيتعرضون للقتل والمجزرة في حالة نقلهم القسري إلى موقع جديد فلذلك لن تستطيع أميركا ان تبريء نفسها من مجزرة المالكي بحق سكان أشرف.

[email protected]