بحسب القاعدة المعروفة (ضربنى وبكى وسبقنى واشتكى) بدأ الناطقون باسم القائمة العراقية قبل بضعة أيام من هروب طارق الهاشمي الى إقليم كردستان بشن هجمات مركزة على رئيس الوزراء نورى المالكي متهمة إياه بالدكتاتورية والتفرد بالحكم وعدم التقيد بالاتفاقيات، وفى الوقت نفسه قدمت القائمة طلبا الى الأمم المتحدة التدخل محذرة بأن كارثة انسانية تحدث فى محافظة ديالى التى وصفها بالمنكوبة، وأخرى فى محافظة الأنبار. وسبق ذلك تصريحات رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي بما مضمونه أن سياسة الحكومة تدفع ديالى والأنبار الى عمل إقليم لكل منهما بسبب شعور ساكنيها بالاحباط، وذلك عند زيارته لبريطانيا والولايات المتحدة. وفى يوم 13/12/2011 أعلن محافظ ديالى تحويل محافظته الى اقليم. وفى نفس اليوم صرح المطلك بأن المالكي ينفرد بالحكم ويحصرالسلطات بيده وهو فى طريقه الى أن يصبح دكتاتورا!!. وانى أتساءل لماذا بقى المطلك فى مركزه كنائب للمالكي يداوم معه ويستلم راتبا ضخما، ولماذا لم يستقيل ويتوقف عن أخذ الراتب إذا كان لا يؤدى عمله كنائب لرئيس الوزراء؟

لقد شعرت وشعر معى الكثيرون بأن وراء تلك الهجمات ما لا يسر. إن هجمات قائمة التهديدات العراقية بدأت بعد تشكيلها مباشرة وإشتدت بعد فشل القائمة فى تشكيل الوزارة على اثر الانتخابات الأخيرة. لا يخامرنى أي شك فى أن عيون القائمة رصدت قوات الأمن وهى تحقق وتعتقل فعلموا أنهم قد انكشف تآمرهم على المالكي وحكومته، فلم يجدوا بدا من أن يستبقوا الحوادث فيهاجموا المالكي ويطلقوا عليه أسوأ النعوت كما عودهم زعيمهم علاوى على ذلك.

إن القوات الأمنية لم تحاول إعتقال الهاشمي الذى هرب الى اقليم كردستان وحل ضيفا مكرما عند رئيس الجمهورية الطالباني ورئيس الاقليم البارزاني، مقلدين بذلك عاهل الأردن الذى احتضن المجرمة رغد ابنة المقبورصدام كضيفة عنده مع باقى أفراد عائلتها ومعها الدولارات التى هربتها.

قال أحبابنا الأكراد أنهم لن يسلموا الهاشمي إلا بطلب من القاضى رئيس المحكمة الاتحادية لأن المتهم برىء حتى تثبت إدانته. كلمة حق أريد بها باطل، فان أجهزة الأمن تلقى القبض على المشتبه فيه وتسلمه الى المحققين، والمحققون أما أن يطلقوا سراحه أويسلموه الى القضاء الذى هو وحده القادر على براءته او إدانته. فالمفروض فى الأكراد تسليم الهاشمي الى أجهزة الأمن وبدورها تسلمه للقضاء ليقول كلمته فيه. من يدرى فلربما يتفاوض أحبابنا الأكراد مع الهاشمي وعلاوي الموجود هناك حاليا أيضا، فيحصلون على مغانم يطمحون اليها مثل كركوك وغيرها. وكما عودنا علاوي فانه مستعد للتنازل عن كل شيء والقبول بكل شيء طالما يضمن ذلك حصوله على منصب رئيس الوزراء. والرجل معذور فقد بدأت عليه علامات الارهاق من كثرة تنقلاته بين بغداد وأربيل، وبغداد ولندن، وبغداد والخليج، وبغداد وواشنطن، طيلة السنوات الثلاث الماضية يستعطف هذا ويوعد ذاك ويبوس اللحى ويقبل الأيدى، ويقال أنه صرف أوقاتا طويلة فى الطيران خلال تلك السنوات قد تكون أكثر مما صرفها الطيارون فى الخطوط الجوية العراقية فى عين الفترة.
يظهر أن الرعب والهلع قد سيطرا على الهاشمي لأنه يعرف فى قرارة نفسه أنه مذنب، ولو كان بريئا حقا لعاد الى بغداد وسلم نفسه للقضاء وهو مطمئن لأن قضيته قد أصبحت على نطاق عالمي ولا يستطيع المالكي ولا غير المالكي أن ينالونه بأي أذى، بل سوف يحاكموه علنيا كما حاكموا من قبله المقبور صدام حسين.

إن ما يهم العراقيين الآن بالدرجة الأولى هو التأكد من براءة الهاشمي أو عدمها، وهذا غير ممكن بدون قرار من محكمة وقضاة عادلين. أما إذا توسط (أهل الخير!) فى الصلح وتصالح مع المالكي فإن ذلك لن ينفعه بشيء بل سيزيد من احتقار العراقيين له. أما طلبه أن يحاكم فى (كردستان) أو أي مكان آخر فهذا مردود، لأن القوانين فى كل العالم تنص على محاكمة المتهم فى المدينة التى حصلت فيها الجناية وليس فى أي مكان آخر. وبما أن من بين التهم هى تهمة قتل العراقيين تصبح القضية تخص الحق العام الذى لا يمكن لأي مسئول التدخل فيها مطلقا.

استيقظت صباح اليوم (الخميس 22/12) على أخبار التفجيرات الدموية فى بغداد والتى راح ضحيتها أكثر من ستين قتيلا وجرح أكثرمن مئتين وكلهم من المدنيين الأبرياء. وأول ما تبادر الى ذهنى هو أن هذه التفجيرات الاجرامية هى تحذير وإنذار مشترك بين القائمة العراقية وحزب البعث والقاعدة لحكومة المالكي لتكف عن مطاردة رؤوسهم. أتمنى أن أكون مخطئا، ولكن الأيام القليلة القادمة ستكشف عن هوية المجرمين ومن دفعهم الى هذا العمل الآثم.

ترى هل ستكون هناك نهاية قريبة أو حتى بعيدة لآلام شعبنا العراقي المسكين الذى عانى كما لم يعانيه شعب مثله من قبل، الأيتام يتزايد عددهم فى كل يوم، وكذلك الثكالى والأرامل والمعوقين، والتدمير يجعل من العراق صومالا ثانيا.

إتصلت بأخى تلفونيا ببغداد اليوم مستفسرا عن الوضع، فكان جوابه بأنهم قد تعودوا على ما يجرى هناك حيث يسمعون الانفجارات وحوادث القتل والاغتيال فى كل يوم تقريبا، ولكن الذى يقلق أكثر هو الصحة النفسية والعقلية التى عليها الأطفال اليوم والذين يفترض فيهم أن يقودوا البلد فى قابل الأيام. كما بدأت أشك فى سلامة عقول القادة الذين يقومون بهذه الأعمال الاجرامية دون وازع من ضمير. لا أجد ما أقول سوى ما يقوله مشايخنا: لك الله يا عراق، يا مهد الحضارات وقبلة الأمم، كيف بدأت وكيف أصبحت.

كندا