ما فتأت كردستان منذ استقلالها عمليا عن بقية اطراف الجسد العراقي عام 1991 عن احتضان الشاردين اليها من الداخل العراقي.
بالأمس شردنا اليها سيرا على الاقدام، متخذين من الليل جملاً، متسللين عبر خيام وحدات الجيش العراقي المحيطه بها من كل صوب وعبر سلسلة لا تكاد تنتهي من الوديان والجبال الملغومة بألغام الحديد والبارود وألغام رعب القبض علينا.

كان شعارنا نحن الشاردين من الداخل الى كردستان هو : لنصل الى كردستان اولا والباقي على الله. ويبدو انه الشعار نفسه الذي رفعه طارق الهاشمي وهو يركب طائرته المتجهه على عجل نحو كردستان.

الفرق بين شردتنا الى كردستان بالأمس وشردة نائب الرئيس اليها اليوم هو اننا وقتها لم نك نملك حتى حصانة كوننا بشراً ناهيك عن حصانتنا في المواطنة التي يفترض انها تحتم على رئيس الجمهورية حينها تقديمنا الى محاكمةٍ ما، حتى لو كانت صورية، قبل ان يسلخ جلودنا ويقلع اظافرنا ومن ثم يرحّلنا الى العالم الاخر بصفة خائن او عميل.
كنا سنكون سعداء فعلا، ونحن نذوب تدريجيا في براميل التيزاب، لو ترك لنا صدام وقتها فرصة الصراخ ولمرة واحدة فقط لا اكثر من على ميكرفون أي اذاعة بالعالم بكلمة : مظلوم.. والله مظلوم.

ما كان بإمكاننا الوقوف امام محكمة صورية ولا البوح بمظلوميتنا الى الجامعة العربية واتحاد الحقوقيين العرب. ما كنا نحلم بالوصول الى كردستان ليس على ظهر طائرة حقيقيه بل على ظهر بغل يعيننا على عبور الوديان وصعود الجبال. كل ما كان بإمكاننا ان نفعله ونحن نترك بغداد متوجهين الى بلاد الكرد هو توديع اهلنا وتوديعهم لنا وكل منا يقول للآخر : الله يرحمكم.. نلقاكم في السماء.

حينما كنا نسير في شوارع كردستان ويتعرّف المارة اننا قادمون اليهم من الداخل كانوا يرددون دوما هذه العبارة المكونة من ثلاثة اسئلة قصيرة :
عربا ؟ معارزا ؟ شيعا؟

في تقيّيم عفوي ُيفهم منه ان كل اللاجئين القادمين من الداخل اليهم لابد ان يكونوا عرباً معارضين ومن الشيعة.
ترى هل واجه الهاشمي هذه العبارة اليوم في كردستان وهو يدخل دار اقامته الفخمة او صالة المؤتمر الصحفي الانيقة او المطعم الفخم ؟ هل سألوه ان كان :
عربا ؟ معارزا ؟ سُنا؟؟

أطرف ما في مواقف الهاشمي في هذه الازمة هو انتقائيته العجيبة في تعريف القضاء العراقي، فمرة يصفه بالمستقل النزيه وأخرى بالعميل المنحاز !.
فالقضاء العراقي يكون نزيها بنظر الهاشمي ومستقلاً متى ما صادق على نتائج الانتخابات التي اوصلته في النهاية لمنصب نائب رئيس جمهورية العراق، ولكن هذا القضاء يُصبح عميلا منحازا حينما يصدر بحقه مذكرة القاء قبض بتهمة جرائم قتل تحت باب الارهاب!

وعلى نفس هذا المنوال الهاشمي الطريف يصبح القاء القبض على افراد حمايته في مقر تابع له بمنطقة اليرموك عملا غير قانوني بسبب عدم وجود مذكرة القاء قبض صادرة من القضاء العراقي في حين تتحول مذكرة القاء القبض هذه والصادرة من نفس القضاء العراقي غير قانونية بالمرة عندما تصدر بحقه هو!
عربا ؟ معارزا ؟ شيعا ؟... ام العكس؟
سنعرف ذلك قريبا في العام القادم!

[email protected]