ترتفع رؤوسنا في الغربة عندما يتكلم الناس من كل الجنسيات عن شباب التحرير وما قاموا به، تشعر بالفخر والاعتزاز لأنك مصري فإذا كانوا أجدادنا قد علموا العالم الهندسة والطب والفلك فقد علم شبابهم العالم كيف تصنع الحرية، وليلة رأس السنة ستحفر في تاريخ مصر بحروف من ذهب، تلك الليلة التي تجمع فيها المصريون في ميدان التحرير فرنم المسلم الترانيم المسيحية وانشد المسيحي وأبتهل بالأناشيد الإسلامية، هذه هي مصر التي نحلم بها والتي نتمناها والتي نقدم أرواحنا فداءا لها، هؤلاء هم صناع الثورة الحقيقيين وهم صناع الحرية وليس الذين تطفلوا علي الثورة.

بدأ الحدث بدعوة من الجميلة العظيمة جميلة إسماعيل بدعوة للصلاة مسيحيين ومسلمين في ليلة رأس السنة تأبينا لكل شهداء مصر، شهداء كنيسة القديسين وشهداء ثورة يناير وشهداء ماسبيرو وشهداء ثورة نوفمبر، الجميع لبي النداء، خرج شباب مصر الوفي حاملين الشموع حضر للميدان قساوسة ومشايخ،فنانين ومثقفين، عمال وفلاحين شباب وبنات محجبات وغير محجبات لقد حضرت مصر بكل طوائفها لترسل رسالة للتيار الإسلامي المتطرف والمتعجرف قد تكونوا الحاضر ولكن المستقبل لنا، المستقبل للذين يحبون هذا الوطن وانتمائهم للوطن والوطن فقط وأن شعب مصر شعب واحد بمسلميه ومسيحييه تاريخ واحد وحاضر واحد ومستقبل واحد وسماء واحدة تظلنا ونيل واحد يروينا.
إذا كان الشيخ مظهر شاهين إمام مسجد عمر مكرم هو خطيب الثورة فإن سامح موريس راعي كنيسة قصر الدوبارة، هو قس الثورة، لقد فتح سامح موريس قلبه للثورة من بدايتها وهو الذي أقام صلاة في ميدان التحرير قبل التنحي وهو الذي حول كنيسته لمستشفي ميداني يعالج المصابين وقدم الأدوات الطبية للأطباء والأدوية للمصابين، فتح الكنيسة التي يرعاها للأطباء المسلمين ليصلوا بداخل الكنيسة عندما يحين وقت الصلاة!!!

نعود للوحة الجميلة التي رسمها المصريون والتي أبهرت العالم وأبهرتنا والتي أبكتنا ونحن نشاهدها عبر الشاشات والحقيقة كان سبب بكائنا هو بعدنا عن مصر وعدم قدرتنا علي المشاركة في هذه اللوحة الرائعة، تلك اللوحة أظهرت مصر بمظهر حضاري والتي جاءت في وقت اشتد فيه الظلام وانتشر القلق علي مستقبل مصر وملأ الخوف قلوب كل المحبين لهذا الوطن بعد فوز التيار الإسلامي المتطرف بغالبية مقاعد البرلمان، ولما لا وأربعون في المائة من الشعب المصري يجهل القراءة والكتابة، وأقولها أن الإسلاميين فازوا بأصوات الجهلاء، أما شباب مصر المتعلم المثقف فليس لهؤلاء نصيب بينهم، وفي خروج شباب مصر للتحرير لمشاركة المسيحيين الاحتفال بليلة راس السنة لهو دليل علي ذلك، وهو رد عبقري من المدعو عادل عفيفي الذي صرح انه وحزبه quot;الأصالةquot; يرفض تهنئة المسيحيين في أعيادهم، ليقولوا له نحن شباب مصر الواعي والمتعلم نلفظك ونلفظ كل المتطرفين أمثالك، نحن لن نكتفي بتهنئة المسيحيين نحن نشاركهم فرحتهم وموت أنت وأمثالك بغيظكم، ودعني أسأل كيف لم يحاكم هذا الرجل بقانون محاربة الكراهية والتمييز ليكون مكانه والذي يستحقه السجن وليكون عبرة لكل دعاة الفتن؟؟

أه وأه.... لو الوطن كله كميدان التحرير ولو سرت روح التحرير وانتشرت في ربوع الوطن، أه لو شباب مصر كلها بنفس فكر وثقافة ووعي شباب التحرير لرأينا مصر من أعظم بلاد العالم، لقد غاب التيار الإسلامي المتطرف في ليلة رأس السنة عن ميدان التحرير، فرسمت لوحة ولا أجمل ستظل في أذهاننا سنوات طويلة، بل وطالما وجد أمثال هؤلاء الشباب ستنعم أعيننا بمزيد من اللوحات الجميلة، فعبر تاريخها الطويل وبدءا من مينا موحد القطرين تصنع مصر أمجادها عندما تتوحد وتكون في أضعف حالاتها عندما تنتشر الفتن والتطرف وليس مصر فقط بل كذلك كل الأمم، لقد قالها quot;مارتن لوثر كنج quot; أنا عندي حلمquot; حلم الرجل بالولد الأبيض يذهب للمدرسة مع الولد الأسود يجلسان علي مقعد واحد ويعيشان في وطن لا فرق ولا نمييزبينهما، مات مارتن لوثر قبل أن يتحقق حلمه!!!

وأنا لدي حلم أن أري ثقافة وفكر وعقلية وروح شباب ميدان التحرير وقد عمت مصر كلها من شرقها لغربها لشمالها لجنوبها بمدنها بقراها بنجوعها، عندها سيكون صناع الثورة هم حكام هذه البلد وهم مصابيحها التي تضئ طريق مستقبلها، ستكون مصر حضن لجمييع المصريين بدون تفرقة ولا تمييز، ستكون مصدر إشعاع للنور والحب والتسامح في العالم وليس مصدر لتصدير الإرهاب والتطرف للعالم، لدي حلم وواثق انه سيتحقق ولكني أتمني وأصلي أن أراه وافرح به قبل رحيلي.... وقبل رحيل هذا الجيل الذي هو أعظم من أنجبت مصر عبر تاريخها...