من الواضح للمراقب أن العراق أبتلى ليس برجال يشعرون بأنهم فوق القانون بل حتى كتل سياسية تستغل القانون وتخرقه ولاتبالي بتطبيقه لأغراض سياسية. أن العراقيين متساوون أمام القانون على الورق فقط, ولكنهم في الحقيقة يعاملون بشكل مختلف أذا تعلق الموضوع بأحد السياسيين أو أحد الشخصيات المؤثرة دينيا ً أو اجتماعيا ً أو عشائريا ً, فحال العراقيين كحال قوم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد.
لا أعرف لماذا يتخلف السيد الهاشمي عن المثول أمام المحكمة في بغداد, ليس لإثبات برائته فحسب بل لترسيخ مبدأ العدالة والمساواة بين أبناء الشعب الواحد بغض النظر عن المنصب الذي يشغله ذلك الشخص. لاأعرف لماذا يأوي السيد الطالباني رجلا ً مطلوبا ً للعدالة والأولى به الحرص على تطبيق العدالة بإعتباره حامي الدستور, وذلك من خلال حث السيد الهاشمي للمثول أمام القضاء, إذ أن صفة الإيواء غير مكتملة الأركان, بأعتبار أن الحكومة العراقية لم تصدر إلى الآن مذكرة جلب بحق السيد الهاشمي. لاأعرف لماذا يصر السيد المالكي على حماية الكثير من المفسدين في حكومته وقد فاحت روائح فسادهم للقريب والبعيد, بل حتى التستر على بعض السياسيين من الإرهابيين وقد أعترف شخصيا ً بوجود ملفات ضد الكثير من السياسيين, فهل يحمي السيد المالكي المفسدين والإرهابيين والمزورين الذين يملئون مجلس الوزراء, حسب هيئة النزاهة, أم يريد السيد المالكي كشف تلك الملفات في الوقت المناسب وإستخدامها كأوراق سياسية. لاأعرف لماذا يتم تحريك قضايا وطمطمة أو لملمة أخرى من قبل القضاء العراقي, كقضية السيد مقتدى الصدر وقضية حراس السيد عادل عبد المهدي في سرقة وقتل حراس مصرف الزوية.
ليس هذا فحسب, بل هناك كتل تخرق القانون وتتجاوز عليه وتستغله أسوء إستغلال من خلال تسييسه أو إتهامه بالتسييس. فالقائمة العراقية تسحب وزرائها من الحكومة بحجة تسييس القضاء لتحرج الحكومة بذلك من خلال تعطيلها, ولا يعرف أحد إلى الآن ماهي علاقة موضوع السيد الهاشمي, وهو موضوع قانوني, بموضوع سحب الوزراء وهو موضوع سياسي. بل لا يعرف أحد لماذا أنسحبت العراقية من البرلمان وهي تؤمنون بفصل السلطات, فما علاقة البرلمان بموضوع قضائي بحت, فإن كان الأمر كذلك كان أولى بالعراقية تصحيح الأمر من خلال البرلمان وليس تعطيله. أما التحالف الكردستاني فيهب رجاله هبة رجل واحد للدفاع عن السيد الطالباني, مع أن السيد الطالباني رمز عراقي وليس كردي فحسب, بل يقاطعون جلسات البرلمان ويطلبون الإعتذار لتصريحات السيد الأسدي التي عبر بها عن رأيه, مع أني لا أوافقه الرأي. لاأعرف لماذا يحاسب أنسان على رأيه وأين هي حرية التعبير التي كفلها الدستور العراقي, فإن كان هناك خلل ما أو قذف أو إساءة لشخص الرئيس فتوجد هناك محاكم مختصة بذلك, كان الأولى بالتحالف الكردستاني تقديم دعوى ضد الأسدي وتفادي المقاطعة التي يتضرر منها الشعب العراقي بتعطيل القوانين المهمة.
أذن, كل الذي ذكرت أن دل على شيئ فإنه يدل على أن الطبقة السياسية في العراق تجهل الثقافة القانونية وتخلط بين ماهو سياسي وماهو قانوني, بل لاتفقه إلى الآن معنى الديمقراطية وتطبيقاتها وتفتقد الوعي بأهمية القانون ودوره في حماية النظام الديمقراطي. ويدل أيضا ً على أن الساسة العراقيون مفلسون فكريا ً ولايمتلكون مشروعا ً ديمقراطيا ً حقيقيا ً يؤمنون به ويحرصون على تطبيقه, إذ يرفعون الشعارات الديمقراطية فقط ولايطبقونها على أرض الواقع. على الساسة في العراق أدراك حقيقة أن النظام الديمقراطي في العراق لن تقوم له قائمة مالم توجد هناك سلطة قضائية مستقلة يتم دعمها من خلال عدم التدخل في شؤونها وإستغلالها سياسيا ً وإحترامها وعدم التشكيك بأحكامها ونزاهتها.
الكل يعرف بأن العراق ذو تجربة قليلة في تطبيق الديمقراطية وتكريس نظام فصل السلطات فيها مقارنة بالنظم الديمقراطية العريقة, إذ أن السلطة القضائية في العراق تحتاج إلى الدعم الكافي لتحقيق أستقلالها وتقليل الضغوط والتدخلات الخارجية بعملها لتكون أفضل ولتعمل بكفاءة أعلى. فقد تعرض النظام القضائي حاله كحال باقي المؤسسات في الدولة لحملة تسييس على مدى عقود طويلة وهو يحتاج للدعم للتخلص من مخلفات تلك الحقبة المظلمة. أن السلطة القضائية في العراق حقا ً أم أختبار صعب ومنعطف تاريخي ربما سيجعل منها مستقلة إلى الأبد أو العكس. على كافة السياسيين دعم السلطة القضائية لينجو العراق من أزمته السياسية. أن الحفاظ على القانون وإستقلاله لهو ضمانة للمشروع الديمقراطي برمته وأن أي جهد لتعطيل عمل القانون والتشكيك بنزاهته هو عمل تخريبي لهدم ركن من أركان الدولة وطعنة في صميم المشروع الديمقراطي الذي لانملك بديلا ً عنه غير الفوضى والحرب والإقتتال الطائفي والعرقي.
- آخر تحديث :
التعليقات