طالعت فى الصحف الألكترونية صباح اليوم (الخميس 5/1/2012) أن السيد المالكي قد أرسل مبعوثين الى أربيل، وأن علاوي وصل اليها. كما قرأت تعليقات طريفة لبعض السادة المعلقين من القراء حول خبر إفتتاح الهاشمي مطعما لكباب أربيل هناك !، بينما تؤكد أخبار أخرى أنه أسس مكتبا له فى اربيل لمتابعة قضية إتهامه بالإرهاب من قبل السلطات الأمنية العراقية. ثم طالعت أخبارا أخرى تفيد أن المالكي قدم تنازلات كبيرة لحكومة إقليم كردستان، وأخرى تقول أن الهاشمي وعلاوي قدما تنازلات أكبر. وكل هذا ndash;إن صح- يدل على وجود مزايدات في صالح الإقليم على حساب الشعب العراقي ككل.

لا أوجه اللوم الى إخوتنا الأكراد إذ لا ذنب لهم فى ذلك، ولكنى ألوم قادة العراق المشاركين فى هذه المزايدة على تفريطهم بمصالح بلدهم العراق وتقديم مصالحهم الشخصية والحزبية على كل شيء آخر. كما ألومهم على هذه التصرفات التى لا يجب أن تصدر من ساسة فى مثل خبرتهم والتى أدت الى عداوات شخصية سقيمة وكأنهم تلامذة فى مرحلة الدراسة الابتدائية. وخير دليل على ذلك هو طلب علاوي من الائتلاف الوطني أن يرشح لمنصب رئيس الوزراء شخصا آخر من بين زعمائه بدلا عن المالكي !! وهذا يدل على مبلغ حقده وكراهيته الشخصية للمالكي. وهذا أمر غريب جدا، فان ساسة الدول المتقدمة حضاريا لا يدخلون السياسة فى نزاعاتهم الشخصية، فقد يختلف الساسة فى آرائهم، وهذا طبيعي، ولكنهم يبقون معارف وأصدقاء خارج العمل. المفروض أن الساسة يتنافسون على إسعاد الشعب وتعمير البلد، ولكن نجد ساستنا يتنافسون على الكراسى فقط وخاصة كرسي رئاسة الوزراء الملغوم ويتظاهرون بحرصهم على البلد وهم بعيدون كل البعد عن ذلك.

فى 28/12 السنة الماضية نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا للسادة: اياد علاوي واسامة النجيفي ورافع العيساوي ونشر النص العربي منه فى الصحف العراقية والعربية، ومنذ يومين أنكر السيد اسامة النجيفي علاقته بهذا المقال. إن هذا الانكار قد قوض الأماني التى كان علاوي قد بنا عليها فى مقالة الاستعطاف التى وجهها الى أمريكا للتدخل فى الشئون العراقية الداخلية حيث قال بأن المالكي يرحب بانضمام ميليشيا (عصائب أهل الحق) الى العملية السياسية وأن هذه الميليشيا هى التى قامت باختطاف وقتل 5 جنود أمريكيين و 4 رهائن بريطانيين فى عام 2007، ولم يذكر شيئا عن الضحايا العراقيين التى قتلتهم هذه الميليشيا، وغايته من ذلك كسب الرأي العام الأمريكي والبريطاني لمساعدته للحصول على الكرسي اللعين.

وذكر علاوي بأن القائمة العراقية وافقت على الانضمام الى الحكومة الوطنية دعما للاستقرار !!. أي إستقرار يتحدث علاوي عنه وهو الذى قام سوية مع قادة قائمته ومنذ اليوم الأول لتشكيل الحكومة بكيل التهم الباطلة لها ولرئيسها المنتخب وتحريض المواطنين على إسقاطها، ولم يعطوها الفرصة الكافية لاعادة تعمير العراق أو القيام بالمشاريع التنموية، بل كانوا وما زالوا يعرقلون الاصلاحات ويقولون أن الحكومة لا تعمل شيئا. ويقول علاوي فى مقالته أيضا: يجب أن توضح الولايات المتحدة بجلاء أن تشكيل حكومة لتقاسم السلطة هو السبيل الوحيد المتاح امام العراق وان الدعم الامريكي للمالكي يتوقف على تنفيذه لاتفاقية اربيل. هل يتصور السيد علاوي أن الامركيين على درجة من الغباء بحيث يصدقون تلفيقات مقالته هذه ؟ وهم يعرفون أن للقائمة العراقية 8 وزراء فى الحكومة ومنها السيد النجيفي رئيس مجلس النواب، ونائب رئيس الجمهورية (الهاشمي)، ونائب رئيس الوزراء (المطلك). من الواضح أن اي حكومة لا يمكن أن يعتبرها علاوي وقائمته وطنية الا اذا كانت برئاسته فقط.

وبينما العراقيون يحتفلون بخروج الجيش الأمريكي من العراق، يعبرعلاوي للأمريكيين عن محبته لجنودهم بقوله : (نحن سعداء بعودة جنودكم الشجعان الى أوطانهم فى فترة الأعياد ونتمنى لهم السلام والسعادة)!. بينما إنتقد علاوي زيارة المالكي لمقبرة الجنود القتلى الأمريكيين وهي من المراسيم الدبلوماسية المتعارف عليها. وفى نهاية المقالة طلب من الأمريكيين بكل صراحة أن يتدخلوا فى شئون العراق، إذ قال : (ما لم تتخذ الولايات المتحدة خطوات سريعة للمساعدة فى تشكيل حكومة وحدة، فسيمضى العراق الى مصير محتوم ). لقد ذكر إسم حكومة (وحدة) وأخفى كلمتين:( حرية واشتراكية) وترك ذكرهما لوقت آخر. وذكر كلمة (محتوم) التى تعنى القضاء الذى لا مرد له، كالموت الذى هو نهاية كل شيء، ولا معنى لها فى هذه الجملة.

لا مفر من أن يتهمنى بعض القراء بأننى (عميل) للمالكي، لذا أسألهم : من تجدون من الساسة العراقيين أصلح من المالكي لهذا المنصب فى الوقت الحاضر ؟ وإذا ما وقع المحذور وجاء علاوي للحكم، فماذا تظنون سيحصل للعراق ؟ من يظن أن العراقيين سيسكتون على ذلك ويتقبلونه فهو واهم، ومن يظن أن علاوي وجماعته يملكون العصا السحرية التى ستعمر البلد بين ليلة وضحاها فهو واهم. وكما ذكر علاوي عدة مرات سابقا فان الدماء ستجرى أنهارا فى العراق، ويؤدى ذلك الى تدخل أمريكا وايران وتركيا والسعودية بصورة مكشوفة، ويصبح العراق ساحة للاقتتال وسيفنى ملايين العراقيين بلظى حرب مجنونة لا تبقى ولا تذر.

أما الساسة الذين يحملون الجنسيات المزدوجة فسيهربون فى الوقت المناسب للالتحاق بعوائلهم التى تسكن خارج العراق وبصحبتهم ملايين الدولارات، كما فعلها غيرهم من قبل، تاركين العراقيين المساكين بلا حول ولا قوة يعانون أسوأ ما عاناه بنى البشر منذ بدء الخليقة وحتى اليوم، ولن ينفعهم دعاء مقتدى الصدر ولا دعوات حارث الضاري ولا غيرهم من امثالهم من علماء الدين الغر الميامين. كل ما يريده العراقيون بحسب ما قاله لى أحد الأصدقاء من بغداد اليوم هو الأمان والسلام ولا يهمهم من يحكمهم طالما كان عادلا ويوفر لهم مجالات العمل لتأمين قوتهم اليومي.

لماذا كتب علينا نحن العراقيون الشقاء وبلدنا من أغنى بلدان العالم ؟ نعيش جل أيامنا نعانى المآسي المروعة والأحزان والذكريات الأليمة، وبالامكان أن نعيش بخير ورفاهية ونحتل موضع الصدارة بين الأمم. هل هى لعنة صدام حسين الذى قال أنه سيسلم العراق لأعدائه خرابا وقاعا صفصفا ؟
عاطف العزي
كندا