التفجيرات الارهابية التي استهدفت المناطق الشيعية في بغداد والناصرية لم يأتي مسارها ضمن العمليات المستهدفة للقوات المسلحة العراقية او قوات الجيش الأمريكي التي انسحبت من العراق قبل نهاية السنة الراحلة، وانما أتت كرسالة متقصدة باستهداف الشيعة استمرارا للأعمال الارهابية السابقة التي استهدفت كل المكونات العراقية من الشيعة والسنة والمسيحيين والكرد، والتي اخذت طريقها على أرض العراق بعد الاحتلال الامريكي للبلاد عام الفين وثلاثة.

وبالرغم من جسامة الخسائر البشرية لهذه العمليات طوال السنوات خاصة لدى المكونين الشيعي والسني، ألا انها وبفضل العقلاء لدى الجانبين لم تتحول الى حرب أهلية طائفية برغم تواصلها واشتدادها في الفترة الأخيرة بعد اتهام نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بالارهاب من قبل رئيس الوزراء نوري المالكي.

ولا ينكر ان الاحداث التي مر بها العراق اثبتت ان الارهاب تقف ورائها جهات مرتبطة بدول الجوار، والتقارير اشارت بصورة مباشرة وغير مباشرة الى ارتباط مؤسسات عسكرية واستخباراتية وقوى مؤثرة داخل ايران ودول الخليج وسوريا ودول اخرى بالعمليات الارهابية التي استهدفت الابرياء المدنيين من الشيعة والسنة وبقية المكونات في العراق.

وكما هو معلوم فان الربيع العربي خلق واقعا جديدا في المنطقة وباتت مصالح بعض دول الجوار ومنها ايران تتعرض الى مخاطر جدية خاصة في سوريا من خلال اندلاع ثورة شعبية عارمة ضد النظام المستبد لبشار الاسد، ولاشك هذه المتغيرات الجديدة على ساحة المنطقة باتت تضرب مصالح ايران من الصميم التي خلقت لنفسها كيانات واحزاب وجماعات تابعة لها، وكسبت انظمة حكم في دول معينة تسير على خطاها، من خلال فرض سياسات مذهبية واغراءات مادية ومنح مالية ومساعدات وخدمات عسكرية وامنية ولوجستية، لضمان فضاء اقليمي واسع المدى لنشر التشيع الايراني في المنطقة.

وليس بخاف بعد سقوط نظام صنم الاستبداد في بغداد من قبل الولايات المتحدة في عام الفين وثلاثة، ان العراق صار ضيعة لايران، وبعد اتمام انسحاب قوات الجيش الامريكي في نهاية السنة الماضية، تحول نظام طهران الى لاعب رئيسي في ملعب السياسة العراقية باقرار امريكي بفعل الامر الواقع، وصار للتدخل الايراني أثر بارز في تحديد سياسة وقرارات بعض الاحزاب والجهات في العراق، والاجراءات التي قام بها رئيس الحكومة نوري المالكي ضد افراد من المكون السني قبل الانسحاب الامريكي وبعده من خلال التحجج بكشف الخلايا الارهابية والانقلابية لاعتقال المجموعات المحسوبة على المذهب السني يبدو انها لم تأتي انطلاقا من حسابات أمنية عراقية صرفة بل استجابة لتوجهات ايرانية لاثبات السيطرة الكاملة لها على العراق بعد تمايل النظام التابع لها في دمشق للسقوط واشتداد العقوبات الدولية عليها.

ومن غرائب نظام الحكم في ايران كما تشير اليه التقارير الصحافية انه لجأ الى احتضان وايواء اغلب القوى الارهابية بتنوع مذاهبها، منها المحسوبة على القاعدة السنية المذهب، ومنها القوى الارهابية المحسوبة على الشيعة، وبهذا السلوك الغريب تمكن من الجمع بين متناقضات مذهبية وارهابية لغايات لا تخدم الا ما في العقول العليلة والقلوب المريضة لرجال الحكم في طهران.

واستنادا الى هذه الحقائق المرة، وبالرغم من ادراك اغلب القادة السياسيين في العراق بالتدخل الايراني السافر في الشؤون الداخلية، الا ان التفجيرات الأخيرة تثبت ان ما يخطط له من زرع ادوات ارهابية لضرب الشيعة والسنة في ذات الوقت خطة اجرامية جديدة تهدف الى فرض حرب اهلية طائفية على العراقيين، وهذه الحالة تسترعي التحوط والحذر منها بشدة، وتستوجب الانتباه السريع لها للحفاظ على العراق، وينبغي العمل من اجل ضرب هذا المخطط الشيطاني بجدية لضرورات وطنية عاجلة لحماية البلاد من هذا المخطط الرهيب الذي يخطط له لتحويل العراق الى ساحة صراعات مذهبية لحسابات اقليمية ودولية.

وبغية قطع الطريق امام دول الجوار وابعادها عن الحاق الضرر بالعراق، واتخاذ خطوات استراتيجية لحماية البلاد من مضاعفات الاحداث التي يمر بها، ومن باب الاستناد الى المنطق السياسي في التفكير السليم، فان الحكمة تسترعي على رئيس الحكومة العراقية، لضمان الحاضر والمستقبل، القيام بالاجراءات التالية:

أولا: العمل الجدي على ازالة الخلافات القائمة بين ائتلاف دولة القانون والقائمة العراقية وابرام اتفاقية لمراعاة المصالح السياسية للطرفين، واجراء مصالحة كاملة بين نوري المالكي واياد علاوي.
ثانيا: عقد المؤتمر الوطني العراقي برعاية رئيس الجمهورية جلال طالباني باسرع ما يمكن مع ضمان عوامل نجاحه للخروج باتفاقية شاملة بين جميع الكتل البرلمانية والاطراف السياسية لتحقيق الاستقرار والسلام في العراق.
ثالثا: حل جميع الخلافات القائمة بين الحكومة الاتحادية وحكومة اقليم كردستان.
رابعا: اطلاق برنامج شامل وخطة انفجارية للبدء باعمال الاعمار والبناء في البلاد.
خامسا: مشاركة القلق الدولي والاقليمي بشأن التسلح العسكري غير المبرر والبرنامج النووي لايران، والتنسيق مع دول الخليج للوقوف بوجه التوجه العسكري المقلق لايران لفرض نفسها شرطيا على المنطقة، والمساهمة في الجهود الدولية للضغط على حكومة ايران لوقف نشاطها بهذا الاتجاه.

وخلاصة القول، ان الوقت قد حان للعراقيين، سياسيا وشعبيا، التفكير الجدي في المخططات الارهابية والتدخلات الخبيثة لبعض دول الجوار، والبحث بجدية عن حماية العراق، حاضرا ومستقبلا، وناقوس الخطر قد دق مرات ومرات، والوقت قد حان لتحقيق مصالحة وطنية عراقية شاملة لاخراج البلاد من خطر حقيقي يعيشه العراق تجاوز فاصل الخط الاحمر بكل ابعاده الامنية والسياسية والمستقبلية.

كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]