هل صحيح أن الثورات والتغييرات بصفة عامة يصنعها الأسلاميون ثم يسرقها غيرهم ومن هو هذا الغير الذي يسرق دماء ومعاناة الأسلاميين كما قال السيد نوري المالكي في خطابه باحتفالية يوم الوفاء او يوم العراق أو يوم الجلاء (تعددت المسميات!)، سنحاول هنا ان نتحرى مقال السيد المالكي على ضوء الثورات والتغييرات التي حدثت في العالم العربي بدءا من العراق.

الجيش الأميركي هو الذي أحتل بغداد وأسقط نظام صدام حسين ولايستطيع السيد المالكي أو اي شخص آخر أن يزعم خلاف ذلك، وأن زعماء المعارضة العراقية حينذاك جميعا ومن بينهم قادة حزب الدعوة قد دخلوا العراق خفافا غير شاكي السلاح من سوريا والأردن والكويت وأيران يبحثون عن موطيء قدم لهم في عراق مابعد صدام، باستثاء فريقين مسلحيين من المعارضة هما المؤتمر الوطني والمجلس الأعلى، الاول والوحيد الذي جاء على ظهر الدبابات الامريكية من الحدود الكويتية وقدم السيد أحمد الجلبي الذي كان يرتدي للمرة الأولى في حياته ملابس عسكرية رسالة بليغة الى الذين دخلوا الى العراق فرادى عزلا وعلى أستحياء، والثاني كانت قواته قد دخلت السليمانية من الحدود الايرانية بصورة علنية في وقت سابق.

حزب الدعوة لم يصنع ثورة في العراق ليسرقها أحد منه ولم يشارك بأي جهد يذكر في حرب أسقاط صدام، بل كان رافضا للحرب ضد صدام وبشدة وقاد وشارك في مظاهرات أحتجاجية واسعة وكثيرة قبيل الحرب على صدام في كثير من دول العالم، وتمنع عن المشاركة في أجتماعات المعارضة الأخيرة ولاسيما في واشنطن.

للأسف يعتقد البعض من الأسلاميين ومن بينهم حزب الدعوة أن صناعة الثورة أو التغييرات تتم من خلال الاحتجاجات على منع طقوس دينية او أعمال عنف محدودة، مالبث ان تقرر التخلي عنها والأنطواء على العمل في الحسينيات خارج العراق، لا سيما أذا كنا أزاء نظام دكتاتوري أستبدادي دموي مثل نظام صدام حسين الذي كان يحظى بحماية عربية وأقليمية ودولية قوية بالرغم من العقوبات المفروضة عليه.

مع تقديرنا لجهود العديد من الشخصيات الأسلامية المستقلة وفي مقدمتهم العلامة السيد محمد بحر العلوم والمرحوم السيد عبدالمجيد الخوئي التي عملت من أجل أسقاط نظام صدام من خلال محاولة أقناع الأدارة الأميركية بأهمية أسقاط صدام وتقديمهم لوثيقة مظلومية الشيعة في العراق والتي ساعدت الجمهوريين على أعادة تقييم موقفهم من الوضع في العراق.

غير أن الشخص الوحيد الذي كان قادرا على الدخول في كواليس صناعة القرار الأميركي هو السيد أحمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني، كان زعماء المعارضة العراقية يقابلون في الغالب مدير مكتب شؤون الشرق الأوسط في الخارجية الأميركية أو وزير الخارجية كما حدث عند مقابلتهم لجيمس بيكر بعد تقديمهم لوثيقة مظلومية الشيعة في العراق، وهؤلاء موظفون تنفيذيون لايمكلون سلطة القرار.

السيد الجلبي هو المعارض الوحيد الذي عرف الطريق الى صناعة القرار الأميركي وخاض كعادته خلف الكواليس في مفاوضات وجدالات طويلة ومعقدة مع الكتل المتنفذة في الكونغرس الأميركي ومع مجالس أدارات الشركات العملاقة التي لها نفوذ على القرار الأمريكي ومع اللوبي اليهودي الذي لا يمكن أن يصدر قرار أميركي ينتاقض مع مصالحه ومصالح أسرائيل، قام السيد الجلبي بعمل شاق وجبار ولسنوات طويلة في الولايات المتحدة وبريطانيا منذ العام 1990، تكلل بنجاح من خلال صدور قانون تحرير العراق عام 1998 والذي مهد لقرار الحرب من اجل اسقاط نظام صدام عام 2003.

ولم يكن قرار الحرب بالأمر الهين بالنسبة للأدارة الأميركية دون الحصول على معلومات وتطمينات من داخل العراق ومن داخل المنظومات العسكرية والأمنية للنظام، وفقا للوثائق الأميركية كان الأميركان بحاجة الى المزيد من التقارير العسكرية والأمنية والأقتصادية والأجتماعية من داخل العراق، والأهم من ذلك تحقيق أتصالات مع قادة عسكريين وأمنيين نافذين في نظام صدام وهو ما عجز عن تقديمه السيد أحمد الجلبي الذي لا يتمتع بأتصالات جيدة في الداخل.

وهنا جاء دور السيد أياد علاوي المعارض القادم من قلب منظومة الحكم في العراق والذي يمتلك علاقات واسعة مع نافذين في أجهزة الجيش والحزب والأمن، حيث قدم للأدارة الأميركية ولاسيما جهاز المخابرات الأميركية الكثير من التقارير والمعلومات المهمة كما نجح في تأمين أتصالات بين الأميركان وبعض القادة العسكريين العراقيين ولاسيما في الحرس الجمهوري وهو ما أكده السيد علاوي في أكثر من مناسبة.

فأذا كان ثمة دور عراقي جدي في تشريع وتنفيذ قرار الولايات المتحدة بأسقاط نظام صدام فهو لشخصين فقط هما أحمد الجلبي وأياد علاوي وكل ما عدا ذلك هو محض ادعاءات فارغة ومبالغات مفضوحة ولا قيمة لها، ولولا الدور الذي لعبه أحمد الجلبي بشكل أساس في تشريع واصدار قرار الحرب ثم الدور المخابراتي الذي أضطلع به أياد علاوي في تبديد مخاوف الأميركان، لظل الاسلاميون ومن بينهم قادة حزب الدعوة يلطمون في حسينياتهم بالمنافي حتى تقوم الساعة.

وأذا كان لابد من تمجيد لدور عراقي في أسقاط نظام صدام، لعلي لا أبالغ أذا طالبت بأن يُكتب ( صنع بيد أحمد الجلبي ومساعدة أياد علاوي) خلف كل كرسي في رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب وكذلك مجلس القضاء، وعلى الذين يتربعون اليوم على عرش السلطة في العراق ويقبضون وأفاربهم وحاشياتهم المرتبات الضخمة والخيالية أن يشعروا بقليل من الأمتنان لذلك.

وللحديث صلة.