سورية أولا وأخيرا هي شعب وبشر من لحم ودم، وإنسان وهذا هو الاهم الذي نطمح له، والانسان بالتعريف حياة يجب أن تعاش ويجب حمايتها، وحقوق يجب التمتع بها، وواجبات يجب أن يقوم بها أيضا. فسورية بدون شعبها ما هي؟ هل هي جغرافيا أم بنية تحتية أم حدود سياسية؟ هي كل هذا لكن بعد انسانها، وليس قبله، لم يعد أحد يختلف في هذا العالم حتى أشد مناصري النظام كالروس والاسرائيليين والايرانيين، لايختلفوا أن النظام يقتل شعبه، لكن في سياق مصالحهم يطلبون من السوريين أن يبقوا على نظام يقتل شعبه، هكذا مصالحهم تقتضي، فأين مصالحنا نحن كشعب يقتل، وينهب، ويعتقل، ولايراد له العيش الحر الكريم كباقي شعوب الارض، أو كالشعب التونسي الشقيق مثلا الذي افتتح لنا عصر الحرية وأعلى من قيمة الانسان العربي والشرق أوسطي، انه إنسان طالب لحريته وكرامته ومستعد للموت من أجلها، شعبنا لايمكن أن يتراجع عن مسألة بسيطة وهي على القاتل أن يرحل والحرية السورية تسود، هل في هذا ما يحتاج إلى ديباجات كثيرة، وتأويلات مشبوهة وغير مشبوهة؟

إنني كمواطن سوري مع التدخل الدولي لحماية المدنيين بكل الوسائل وبدون استثناء ودون اللعب أيضا على المفردات والمصطلحات والمصالح، لكنني أيضا بالمقابل اتفهم حركية المجتمع الدولي وقواه المبعثرة الاستراتيجيات تجاه هذا النظام القاتل. واتفهم أن هذا الأمر ليس بالضرورة ان يستفيق معه ضمير العالم، وحدث كثيرا أن نام ضمير العالم في مناطق كثيرة منه.

واتفهم أيضا في حال عدم حصول استفاقة انسانية لهذا الضمير، وبقاءه في المنطقة المقالة إسرائيليا وإيرانيا وروسيا. في تلك المنطقة السوداء من خارطة المصالح. ولكنني سأبقى أطالب المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته تجاه شعبنا..وسأبقى أطالب الامم المتحدة أن تطبق قوانينها في هذا الشأن. وبدون اوهام على أن هذه المطالبة يمكن أن تتحقق بين ليلة وضحاها..بل يمكن أن تستغرق وقتا ربما يقتل من شعبنا على يد المجرمين اضعافا مضاعفة، وربما لاتأتي الاستجابة أبدا، ولن يستفيق أبدا ضمير البشرية النائم، في تلك المنطقة السوداء. ماذا نحن فاعلون؟

هل نقبل باستمرار القاتل ليحكم أهلنا ويعيد أنساننا السوري لمرحلة العبودية أي ماقبل 15 آذار 2011 ؟ بالتأكيد شعبنا لم ولن يقبل...وقتل مئات الألوف من السوريين على مرأى من العالم فيما لو استمر النظام القاتل بجريمته، هل يعني هذا أن شعبنا سيقبل بالعودة؟

إن الهولوكست الجاري في سورية على قدم وساق، باتت له أصوات لاتخجل من نفسها، ولا تخجل من عارها، ولا تخجل من ديباجاتها الوطنية الكاذبة دفاعا عن مجرم..
عندما كانت حوران البداية وحمص العاصمة الجديدة للحرية في هذه المنطقة من العالم، ومعظم أكراد سورية وآشورييها يهتفون للحرية السورية بالعربية وبلغتهم، ويرفعون علم الاستقلال السوري.. معنى ذلك أن الحرية قادمة لامحال، والأهم أنها من أكبر الدالات على أن الانسان السوري قد انوجد، في حرية عمدها بالدم، وهذا الانسان هو ما تحتاجه سورية، وما يحتاجه العالم، ومن أجله نطالب الأمم المتحدة بالتدخل لحمايته، ألا يستحق هذا الانسان الذي ولد للتو من رحم الحرية السورية التي طالت فترة حملها، أن يترعرع وينمو كأي إنسان آخر في هذا العالم؟ وأليس من حقه على البشرية أن تحميه من الوأد؟

حسنا لدينا مهرجان سياسي كبير ضد التدخل الدولي لحماية المدنيين، ولدينا أصوات كثيرة لها حساسية خاصة تجاه سيادة الجغرافيا وبقاء البنية التحتية المهترئة والتي تخدم الآلة العسكرية القاتلة التي يريدون هم أنفسهم حمايتها من أجل أن تستمر في قتل الانسان السوري ووأده.

وبالعامية الشاميةquot; أل شو الشباب وطنيين ويخافون من الاجنبيquot; ومنهم من يجلس في حضنه، ويرفض أن يتخلى عن هذا الحضن الفردي الدافئ، باريس لأنها عاصمة الحرية والنور وهذا الدفء نبقى فيه ونستخدم جواز سفره، ونتمتع بحريته، ويجب على باريس ألا تتدخل من أجل حماية المدنيين في سورية، هل تصدقون ذلك؟

اقول لهم أنزلوا بين الناس وتظاهروا من أجل مطالبهم، ودافعوا عنهم بوجه القاتل كما يفعل ابناء سورية الجديدة من الجيش السوري الحر، لكي تستطيعون حماية المدنيين من طلب التدخل الخارجي...أما ان تبقوا في باريس وبرلين ولندن او في مكاتبكم في دمشق تستقبلون السفراء لتقولوا لهم أنكم ضد التدخل من أجل حماية المدنيين وتتمتعون بحرية السفر والتنقل، وتقولون لشعبنا أنكم ضد التدخل لحماية المدنيين لأنه يمس بسيادة سورية...!!! لاتستوي مطلقا حكموا ضمائركم...كنت أتوقع ممن هم ضد التدخل الخارجي أن ينزلوا مع مراقبي الجامعة العربية ويقولون لهم الحقيقة..التي يعرفونها عما فعل النظام المجرم بشعبنا..لكنني لم أركم مع خالد أبو صلاح في حمص ولا مع أمهات شهداء حوران أو حمص أو أدلب..أين انتم؟ نحن من نطالب بحماية المدنيين عملاء للاجنبي، حسنا والعملاء جبناء عموما!!! لكن أنتم ضد الاجنبي ولكم حرية الحركة في سورية.. لم نركم مع المراقبين بين المتظاهرين خاصة أن المراقبين هم عرب كما طالبتم مرارا وتكرارا الجامعة العربية من فوق الطاولة ومن تحتها...يذكرني بمطالباتكم للدول الكبرى بأن تعيد السفراء لدمشق..ومطالباتكم لهم بعدم الحديث عن التدخل كما طالبتموهم في أعوام 2006 و2007 برفع الحصار عن النظام..!

الآن ماذا تفعل الجهة التي تطالب بحماية المدنيين في حال لم يستجب المجتمع الدولي؟
لأن في سورية ستبقى القوة القاتلة وهي الجيش القمعي والدموي، هو الذي في ميزان القوى الأكثر قدرة على قتل شعبنا، ماذا سيفعل المجلس الوطني في مثل هذه الحالة؟ وما هي استراتيجته في حال بقي الضمير العالمي نائما؟ كيف سيوفر لشعبنا وسائل سورية خاصة لحمايته من آلة القتل هذه؟ كيف سيوفر له مقومات الصمود لاستمرار سلمية تظاهراته، حتى نيل الحرية؟

الجهة الأخرى المناوئة لطلب التدخل لحماية المدنيين مرتاحة لأنها تعرف قوة جيش السلطة!!! وهامش مناوراتها واسع كحرية تنقلها..أما نحن كمجلس وطني يجب ان نعمل اكثر من ذلك بكثير من أجل الاستعداد أكثر وأكثر للتعامل مع حالة رفض المجتمع الدولي التدخل لحماية أهلنا..وأيضا بقية اطراف المعارضة يجب فتح حملة نقاش ودعم للثورة حتى تستمر، وخلالها أيضا يتم العمل من اجل أن يصحو ضمير البشرية هذا.

غسان المفلح